هذا الكتاب حافل بالرهانات المسبقة، والخطط الأولية التي تم الاتفاق عليها، وإن كان هذا لا يعني إرغام أي كاتبة على شيء بعينه. لأن كل واحدة اعتمدت على مخزون تجربتها الإبداعية، ورحلتها الخاصة التي تحاول التعبير عنها. لذلك تفاوتت الكاتبات، في سيرهن وتحققهن ومنجزهن الأدبي، مثلما تفاوتت طرائق التعبير عن الموضوع نفسه.

8 كاتبات مصريات يواجهن الخوف بجرأة «خارج أيام السنة»

شريف صالح

 

في رسائله إلى روائي شاب تحدث الشاعر الألماني ريلكه عن الخوف من "التنين"، حسبما أشارت الروائية والأكاديمية المصرية سحر الموجي في تقديمها لكتاب "خارج أيام السنة". متحدثة عن الخوف الهائل الذي يسكن كل امرأة ويمنعها التعبير عن ذاتها. فالمجتمع عادة ما ينمطها ويفرض عليها أدوارًا وظيفية بعينها، ويدفعها لتجاهل مشاعرها وإنكارها والهروب منها.

كأن مشروع "حلقات الكلام"، انطلق لكسر جدار الصمت والخوف، وليس من موقف جاهز لمعاداة الرجل، وتحميله كل ما تعانيه المرأة. فالأهم من العداء، هو تدريب الذات الأنثوية على اكتشاف المعنى الخاص بها، وتوسيع وعيها بالأشياء من حولها وكيفية التعبير عنها. ومن ثم دفع إبداعها عميقًا نحو الذات كي يتجلى ويُترجم إلى نصوص. تأسس المشروع بمشاركة كاتبات من قرى ومدن في الدلتا - مصر، بإشراف سحر الموجي وهالة كمال وكلتاهما أستاذة للأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة.

سيكودراما أدبية:
من تاريخ النسوية وأفكارها ونقدها للمنطق الذكوري، تشكلت الأرضية الفكرية والتأسيسية كي تبدأ كل كاتبة في اكتساب وعي مختلف في علاقتها مع الذات والواقع والوجود. وتبنى المشروع آلية السيكودراما كإطار يتيح الفرصة للحكي وشحذ الخيال والتجسيد واللعب والشعور بالأمان برفقة الأخريات.

ومن يطالع الكتاب الصادر حديثًا عن دار العين، يجده حافلًا بالرهانات المسبقة، والخطط الأولية التي تم الاتفاق عليها، وإن كان هذا لا يعني إرغام أي كاتبة على شيء بعينه. لأن كل واحدة اعتمدت على مخزون تجربتها الإبداعية، ورحلتها الخاصة التي تحاول التعبير عنها. لذلك تفاوتت الكاتبات، في سيرهن وتحققهن ومنجزهن الأدبي، مثلما تفاوتت طرائق التعبير عن الموضوع نفسه.

لماذا تكتب المرأة؟
شارك في المشروع: أسماء يونس (م1998) مازالت طالبة في كلية الطب، إيمان أبو الغيط (م 1969) فنانة تشكيلية ومديرة مكتبة مصر العامة في المنصورة، داليا أصلان (م1975) روائية صدر لها "المختلط" و"بنت محمود"، رحاب فاروق عمر (م1977) دراسات عليا في علم النفس وعضو نادي القصة في المنصورة، رشا نعمان روائية من أعمالها "إلين" و"عطر الموتى"، شيماء هلال (م1991) مدرسة علوم ومدونة، عبير الجمل (م1965) أستاذة جامعية، ولقاء السعدي (م1988) ولدت في خان يونس في فلسطين وتعيش في المنوفية ونشرت في مواقع عدة.

ثماني كاتبات أغلبهن ينتمين إلى محافظة الدقهلية، باستثناء لقاء السعدي الفلسطينية الأصل. وتفاوتت أعمارهن بما يزيد عن ثلاثين عامًا بين الأكبر والأصغر.

في الإجابة على سؤال لماذا يكتبن؟ جاء الرد متقاربًا إلى حد ما، فإيمان أبو الغيط قالت: "أحاول الكتابة بدافع من شعور يوجهني لتفريغ ما امتلآت به الذاكرة من صور وحكايات"، وقالت داليا أصلان: "الكتابة هي استجابة للضجيج المزعج الذي يتردد داخلي"، والمعنى ذاته لدى شيماء هلال: "الكتابة ملاذ آمن لي لأن عقلي لا يتوقف عن صناعة الحكايات"، وعلى حد تعبير عبير الجمل: "أكتب لترتيب المتاهة بداخلي".

ألبوم صور
في المحور الأول "ألبوم صور" نشرت الكاتبات نصوص: امرأة خمسينية وقط أسود، حجاب زهري، ذات صباح، قلم مقصوف، مع الفيل الجالس ساكنًا، ملكة البحر، وبلون العاج. وقد اعتمدن على ثيمة "الصورة"، فلدى كل إنسان "صورة" تحمل ذكرى وهمًا وسرًا. ثمة من قدمت وصفًا أو لوحة أدبية، تستكنه مشاعر الأنثى، التي بدت غالبًا ضد رجل ما، أو ضد الواقع نفسه. وثمة من اجتهدت للتعبير عن الثيمة وفق الشروط الجمالية للقصة القصيرة. في نص "ذات صباح" لإيمان أبو الغيط نقرأ: "في الصباح التقطت زميلة لها في العمل تلك الصورة، سجلت بعدستها نظرتها الحالمة وابتسامة عيونها اللامعة، التي تبدي أكثر مما تخفي".

أجوبة نصية
حمل المحور الثاني عنوان "جوابات" وتضمن نصوص: أنا وهي والقط، انعتاق، اعتب عليكِ، كي أستطيع التمهل، قسط من النوم ونزهة، قرصة أذن، بيني وبينك، و"لست بحاجة إلى حقن الإنسولين" لداليا أصلان، ومنه نقرأ: "أنا جسد مخلوق ببرمجة مربكة، أعطال بالوراثة وحساسيات تؤذي بعضها بعضًا. ناقصة بتطرف، زائدة بتطرف. ولا تكتشفين ذلك إلا عندما ألمزك بغرابة".

ربما كان الأكثر دقة أن يحمل الملف عنوان "رسائل"، لأنه اعتمد على رسالة يوجهها الجسد ـ أو جزء منه مثل القلب ـ إلى صاحبته. وانشغلت الكاتبات بصياغة رسالة لا تخلو من عتاب أو فكرة درامية، في بنية أقرب إلى نص مفتوح.

تحت هذا المحور جاءت نصوص: ضفيرتان ووجه أسمر، عروسة سكر، كورونا، طفو، جاون أخضر، مطر النجاح، بنج نصفي، شرفة في الطابق الخامس، أعوام الحجر، والرجال لا يصابون بالجنون. واتسم بالاشتغال على فكرة المرض والألم والمخاوف الذاتية. ورغم التحرر نسبيًا من ثيمة محددة، لكن لا تخلو النصوص من تعبيرات نمطية كثيرة ومجازات مستهلكة مثل: " أخذت تذرع غرفة المعيشة ذهابًا وإيابًا"، "صداع يتوحش في مقدمة رأسي، ويغرز أنيابه". إضافة إلى تمرير مفردات عامية خصوصًا في الحوارات.

"لوقت عُوزة" بهذا العنوان العاميّ جاء آخر محاور الكتاب وتضمن نصوص: خارج أيام السنة، حبات شوكولاتة بالفواكه، 926، بدون منوم، كروكس، عبور، خط جديد، بسكوتة، وهدية. من نص "خارج أيام السنة" لشيماء هلال، والذي اختير عنوانًا للكتاب، نقرأ: "غسلت طقم الفناجيل الوحيد، المحفوظ تحت السرير، الذي وافق طليقي على إعطائه لي. أقبلت النساء في المساء، والسعادة تغمر وجوههن. وهن يحضنني، شعرت أن العالم يستقبلني من جديد". وقد غلبت على  نصوص القسم الأخير رصد لحظات مختلفة من معارك المرأة مع الحياة والمجتمع.

في الختام كتبت هاجر المغازي عن مشروع "حلقات الكلام" ودور فنون في الحكي في تعرف النساء على ذواتهن عبر طرح أسئلة من قبيل: ما الذي يعنيه أن يكن نساء؟ وما شكل الحياة التي يرغبن في عيشها؟ ما المحددات التي تشكل وجودهن وتتحكم بهن؟ وكيف تخضع أجسادهن وجنسانيتهن لها؟ وكيف لنا أن نتحرر من تلك المحددات؟ وأوضحت المغازي أنها اختارت عنوان المشروع من مقال للكاتبة الهولندية أنيا مولينبيلت التي تعد من رواد الموجة الثانية للحركة النسوية. حيث تلتقي النساء في حلقات توعية ويعطين صوتًا لحكايات الواقع الذي يعيشنه وأحلام التغيير.

لا يخفى نبل المشروع ولا تغيب أهدافه، لكن بعيدًا عن الإيديولوجيا النسوية التي تحكمه، هل تستطيع النصوص التي تضمنها الكتاب أن تحيا وتعيش مستقلة عنه؟ هل تتضمن حقًا أصالة إبداعية تتجاوز فكرة التدريب والتوجيه؟ ألم تسقط ـ تحت وطأة الإيديولوجي ـ في فخ التصنيف والتنميط والقولبة ورؤية المرأة بوصفها "ضحية" وهي ليست كذلك دائمًا؟ ألم تفرض الكاتبات "نتائج" جاهزة على المنطق الدرامي؟

أيًا كانت إجابات تلك الأسئلة، سيظل كتاب "خارج أيام السنة" تجربة مغايرة عن السائد، لأسباب عدة أهمها أنه تأليف جماعي نسائي ـ وهذا نادر في الإبداع العربي، والتزم إيديولوجيا محددة، إضافة إلى كونه ثمرة عملية لورشة إبداعية وفكرية.

 

اندبندنت عربية