في قصيدة جديدة يخص بها الشاعر المغربي المرموق (الكلمة)، نترصد همس حوار خاص أشبه ب "الأقصوصة الشعرية القصيرة" حيث الطبيعة فيه استعارة للكينونة، وحيث يفتح الحوار بين الذات والطبيعة القصيدة على أبعاد ودلالات فلسفية تثير الفكر والوجدان معا.

حوار

محمد الميموني

تَمُر الريحُ كل يوم مسرعة
على رؤوس الشجرِ
وتنسى أن تسألها:
ألمْ تمَلّي يوما من وقوفِِكِ الطويل؟
ألا يُغريك الشوقُ والفضولْ
أن تسحبي الجذورَ وتسافري
بعيدا
وتكتشفي أبعادا عن شِمال ويمينْ؟
ألمْ أحمِلْ إليكِ بالغدو والرواح
رمالا من صحارٍ ورذاذا من بحار؟

تلتمس الرياحُ في سرعتها
هنيهةً تسترجع الأنفاسَ
لتُلقي إلى الأشجار بسؤالها
لكنها كدَأْبها تُبعثر الحروفَ
وتغمغم السؤالْ
وتنسى في سرعتها
بعضا مما أعدّتْ من مقال.
ولكن الأشجار لا تلومها
تأخذها بالعفوِ
وتميل حيث مالتْ
وتجيبها:
ـ أنا هنا أيتها الرياحْ
في سفَر قديم متواصلْ
من باطن الأرض
إلى مواقع النجومْ
تصِلني الأبعادُ من مصدرها المحجوبْ
على خيوط الشمسِ
وذبذبة الأثير ْ
وتحْمِل الطيورُ كل يوم لي
رسائلَ الهَديل والصهيلْ
ومفرداتِ اللغة الأولى
ومعجزاتِ العجْز عن كبْح الكلام
في قارة الصمت التي تسكنها
أجناسٌ من حضارة قديمة.

ولكن الرياح لم تنتظرِ الإجابة
فليس من عاداتها الإصغاءُ
والمكوثْ.

فمن رأى عيناً تُجيب برقاً
إنْ بَهَرها
إلا بطرَْفٍ خاطف صموتْ!

شاعر من المغرب