كان العالم فى السابق، يعتمد على السلاح التقليدى فى عالم الحروب، والغزوات، ومع تطور الزمن، اصبح هناك ما تم تسميته القوة الناعمة، جامعة بين النقيضين (القوة- والناعمة). وتمثلت تلك في الكثير من وسائل الإعلام والتمثيليات والأفلام، فأصبح، واصبحت هي الوسيلة الأكثر تأثيرا على الإنسان. وذلك ما عبر عنه الكاتب في قصته.

اللحن الأخير

حسني الجهـيني

 

نستطيع أن نؤكد أنه ومنذ اللحظة الأولى التي دلف فيها الدكتور "رائف الصياد" إلى المختبر رقم (٩) في وحدة الأبحاث الصوتية، أنه شعر بأن شيئًا غير طبيعي يحدث هنا.

فقد اجتاحه شعور مقبض زاد منه ضوء المختبر الأخضر الخافت. وهواءه الراكد. وسكونه الذي بدا أشبه بسكون قبر

هنالك على المنضدة الزجاجية، كانت ترقد...  لم يكن قد أطلق عليها اسمًا علميًا بعد .. بشكل مؤقت أسموها الحشرة ..كائن دقيق الحجم، بجناحين شفافين يتذبذبان في الهواء بصوت لا يُسمع... لكن يُحس.

قال الدكتور رائف بترقب:

- هل هناك تقدم ؟

أجابه الدكتور نائل، عالم الحشرات الذي يشاركه المشروع:

– "برمجتها تمت.."

اقترب رائف أكثر، انحنى، أنصت. ثم قال:

– "لا أسمع شيئًا."

ابتسم نائل ابتسامة متفهمة:

– "طبيعي. الأذن العادية لن تلتقطه. لكن المخ يتجاوب."

***

بدأت الاختبارات. واخذوا يتابعون الحشرة وهي تطير داخل حجرة الاختبار الزجاجية.

كل حركة من جناحيها بدت وكانها تولد ترددًا فائقًا.

صحيح أنه غير مرئي، لكن ... شيئًا فشيئًا، بدأ طاقم المعمل يشعرون بآثاره الغريبة فيما بعد...

نوبة بكاء لا مبرر لها، ارتجاف اليد اليمنى عند سماع أصوات تنفس معينة، رغبة لا تقاوم لإعادة تشغيل التسجيل الصوتي للحشرة

نوم عميق يتخلله حلم واحد ..

نفق طويل وصوت لحن يتكرر دون توقف

رائف دوّن ملاحظاته بدقة. قال لنائل ذات مساء:

– "هذا ليس تفاعلًا صوتيًا... هذا شكل أشبه بغزو للعقول.!!"

رد نائل، وقد ظهرت هالات مجهدة سوداء حول عينيه:

– "ليس إلى هذا الحد، الحشرة تحاول التفاعل معنا وحسب."

****

بعد أسبوع، انتحر أحد الفنيين، تاركًا على الحائط عبارة غريبة مكتوبة بدمه:

"اوقفوا اللحن".

وفي نفس الليلة ، تم رصد موجات غير معروفة في محطة الرصد التابعة للجيش، تنبعث من قلب المركز.

في تقريره إلى القيادة، كتب رائف:

> "اللحن يُخزن داخل الدماغ. ليس لحنًا تقليديًا بل معادلة صوتية تنشط في مناطق العاطفة، وتعيد تشكيل الإحساس بالزمن والذاكرة. الحشرة لا تعزف... إنها تُعيد برمجة الإنسان."

***

تم استدعاء خبير في الصوتيات العصبية، البروفيسور "مراد شيحة".

خضع لتجربة استماع دقيقة.

وبعد أقل من ساعة، جلس في صمت تام، ثم قال:

– "أحتاج أن أسمع اللحن مرة أخرى. فقط مرة."

لكن في اليوم التالي، اختفى.

وعُثر عليه بعد ثلاثة أيام، في أحد أنفاق مترو القاهرة... يعزف اللحن على آلة معدنية صنعها من خردة، وحوله عشرات المشردين يجلسون في ذهول، يستمعون.

***

في اجتماع طارئ داخل مبنى المخابرات العلمية، قال اللواء سامي حجازي:

– "ما نحن بصدده ليس مشروعًا موسيقيًا... بل سلاح. سلاح يعتمد على الإدمان السمعي، يخترق الدفاعات النفسية ويعيد تشكيل السلوك."

***

قُرروا تدمير الحشرة.

لكن عندما دخل رائف غرفة الحفظ، وجد القفص فارغًا.

وبدأت سلسلة من البلاغات في أنحاء العاصمة عن "صوت غريب في الهواء".

كان الأطفال يصفونه بأنه "أجمل شيء سمعوه"،

بينما سجّلت حالات من الذهان السمعي في المستشفيات.

***

سجّل رائف آخر مذكرة له:

"لقد فشلنا. اللحن لم يكن تجربة... كان نداء. الحشرة كانت مُستقبِلًا. لا نعلم من المرسل بعد. كل ما نعلمه أن الهواء صار آلة موسيقية... والمستمع لن يعود كما كان."

***

في اليوم التالي، استيقظ الملايين وهم يدندنون لحنًا لا يعرفونه...

ومع كل نَفَس، كان يُعاد عزفه. كان اللحن يستحوذ على  أجزاء منهم.

ومن مكان ما في الجو... كانت الحشرة تطير، تعزف، وتنتظر أن ينضم العالم إلى الكورال.