تقدم الكاتبة الأردنية من خلال ومضات قصصية، تبني عبرها تلك الصور التي تسخر وتهجو أوضاعا اجتماعية وسياسية كاشفة عن فداحة الأزمة التي تحيط بنا. ومن خلال جماع تلك الشذرات السردية يتخلق عالم نعيد عبره رؤية الأخبار من جديد.

من وحي الأخبار

محاسن الحمصي

معارضة
لأنه نوّارة الجاه والعلم وصاحب اللسان الجريء، تبرع بحمل سيل التواقيع وسار
على بساط شجب أحمر، خلفه تعلو جوقة الأصوات، تصعد بــ (لا. لا. لا)
على السلم الموسيقي متناغمة..
وأمام قضبان حديدية، اصطدمت الأقدام.. تراجعت.. ألقيت الأسماء
خلف جدران سجن سقفه حدود السماء.. واختفى البطل...!

مقاطعة
ارتفع ثوب الأسعار في ليالي الصيف الحار، افترشت أكوام اللحم
الشوارع والأرصفة، زينت الموائد، انتشرت وجبات سريعة، بيضاء، حمراء،
صاح مناد.. من يستر هذا العري.. من يوقف جحيم الطوفان..؟
قاطعوا.. قاطعوا..
وقف خالي الوفاض.. مثقوب الجيب يقتات من لحم مجاني رخيص، متمايل
في سماء شاشات ملونه، يُمني النفس، يشبعُ بالنظر..
سال لعاب الحيتان، استرخت بطونها، أخذت غفوة.
نحن نقاطع، ما ذنب أموالنا إن كانت
اللحوم والشحوم، بأنواعها
تزحف، تتهافت خلف أبوابنا
عبر توصيل خدمة
المنازل..!!

خيام
همس في أذنها، مشروع ضخم، أرباح وفيرة، انظري حولك
راجت صناعة الخيام، ازداد الطلب،
لخراف جائعة تساق تحت خطوط الفقر الأحمر على حدود التماس

نحو خيام الذبح الوطنية، لطيور مهجرة ومهاجره
تحط في خيام مجبولة بالقهر والطين، لقطعان ماشية تسير عكس رياح التغيير
تُعلف لنحر حلال في المسالخ العسكرية،
والديوك تُنتصب مختالة تطارد دجاجات الخيام السود تحشرها في الزوايا
تنقر أوتادها، تكسر أجنحتها لتهوي..!
والخنازير لازالت طليقة تعبث في الأرض فساداً
تطوف حول الخيام، تجوب البلاد، تنفث التعاويذ، تقبل الوجنات
تنقل الحُمى خلسة وتمضي..!!
الخيام، بضاعة لا تكسد استفيد، اخدم الوطن، والأيدي العاملة..!

باص
لركوب الباص شعور خاص يحملك لعالم مختلف الطعم والمذاق،
وجوه، زحام، عرق، تماس، متعة وووووو... هكذا قال صديقي...!
في المقعد الخلفي شحنت حواسي، وظفت الفضول..راقبت
أحسست بانقلاب في معدتي من باص دون مكابح
سمعت عبر رنات الخلويات ومكبر الصوت "سارية السواس"
ـ بس اسمع مني ـ
تثير الحماس، تلهب الأفئدة، وغمزات العيون..
رأيت جيلا من الشباب، يغني، يحب، يثرثر، لا يراعي
كبيراً،لا يحترم امرأة أو صغيراً..
لمست انحراف سائق يحتاج شهادة تأهيل دون وساطة..
تنفست الصعداء في آخر المحطة، "سامحك الله ياصديقي"
وعدتُ لأستقل باص خط جديد، وأكشف المستور...!

نيران
أول الخبر:
لا يجد "صديقي" من يدفأ برودة وحدته، اشترى علبة ثقاب
وأشعل قدميه..
وتتوالى الأخبار
تشب النيران في غابات نفوس متعبة تحيل التربة رمادا
تخلف حروقا يصعب تضميدها..!
غيرة قلب تحرق أجسادا بريئة، حرمان فرص يلهب
جنون الممنوع
نيران صديقة تحصد الأرواح، ونيران أحقاد أخوة تأكل
في طريقها الأخضر واليابس، تشوه تاريخا، وتغيّب أوطانا
ونيران أقلام تصب الزيت على الأوراق تشعل فتيل الفتنة.
من يخمد الحرائق
من يطفئ النار
وفي بلادنا شحُ مياه، وجفاف في القلوب...!؟