في قراءتها لرواية (عرق الآلهة) التي نشرتها (الكلمة) من قبل، تكشف الباحثة اليمنية عن الإشكاليات الفلسفية التي ينطوي عليها التناظر بين فكرة الأحادية في العشق والألوهية، من خلال قراءتها لشخصيات الرواية المختلفة وعلاقتها بالمكان الذي يتوزع بها لا بين مكانين فحسب، وإنما بين ثقافتين ورؤيتين ومنطلقين فلسفيين.

الأحادية في العشق والآلوهية

قراءة سردية في رواية «عرق الآلهة» لحبيب عبد الرب سروري

صباح الإرياني

 

«كي تحيا وحيدا يلزم أن تكون إلها او حيوانا، او الاثنين في نفس الوقت»

أرسطوطاليس

 

مِثلما هو الدين هو كذلك العشق توق للأمتلاء والخلاص من توترات داخل الكينونة البشرية المنزوعة بالتناقض والحيرة. بحث عن لحظة تتزامن السكينة الحسية مع التوق الروحي لوجود هدف ـ ومعنى ـ لغاية ذات توجه ملموس يدعم اللحظة الآنية للوجود الأنساني الفعلي! توحد بين" المحسوس والمفارق" في الطبيعة البشرية. هذه الكينونة المتناقضة ظلت هدف الذهن البشري ومصدر حيرته منذ قدر للوجود ان يسجل لحظة البدء. الرغبة والتوق في كشف ماهية اللحظة الحالية بالرجوع والتوحد مع كينونة أكبر تشكل بدءً مطلقاً لديمومة حياتية معقدة بنزعاتها الحسية والنفسية، وبخلاياها العقلية والشعورية. هكذا ظل الأنسان وعلي مدى عقود طويلة يبحث عن كنه ذاته وعن كنه وماهية حياته المتحدة بالوجود المحيط به!

ما الذي أوجد عملية التوالد المستمرة؟ التوحد بين المذكر والمؤنث في الأناسة البشرية وفي الطبيعة ككل؟ ألم يرغب الأنسان دوما في ترك اللحظة الحالية والأنسحاب الي لحظةٍ مضت؟ لم يتمن دوما الكشف عن الجانب الخفي وغير المكشوف في ذهنه؟ بل لم ينغمس احيانا في محاولة لتفسير حلم او ايجاد معني لبادرة قام بها او قالها صديق في موقف معين؟ ثمة في حياة المرء لحظات غريبة تظل نائمة في الغور، منسية لزمن طويل، قبل ان تتحرر من قمقمها وتندفع نحو السطح في لحظة قدرية مفاجئة" (الرواية ص49)

هذه الالغاز المحيرة للذهن البشري تجسدت في بحث بطل رواية (عرق الالهة) الدؤب عن معنى لوجوده من خلال علاقته المزدوجه بامراتين قادتاه الى كشف معرفي للبحث عن تاريخ الالهة ومن ثم إنكارها لاحقا. «صار ألأنسان مقرفا. أتعبني كثيرا. يتسأل عن كل شيئ يناقش في كل شيئ، يرفض كل شيئ . شجرة المعرفة اللعينة أبعدته عني» (ص115) «هو يطير الأن إلي القمر و الكواكب المجاورة، أقماره الصناعية تملأ سمائي، تلسكوباته تفتش كل أصقاع مجرتي، موجاته الكهرومغناطيسية تلوث فضائي و هو يصنع الربوت، يشحنه بالمشاعر والعواطف والمعارف» (ص115) «كلما ثقل وزن دماغه، صرت خفيفا في ناظريه أو فرضية لافائدة منها» ص115

تلك مقاطع مقتبسه من رواية (عرق الآلهة) نلاحظ من خلالها كيف يقدم لنا الروائي، حبيب عبد الرب سروري، لوحة مكثفة الألوان لحيرة وجودية، من هو المتسائل في تلك المقاطع؟ هل هو بطل الرواية نفسه؟ ام هو مخلوق اخر نتاج لفكر الانسان هو من يضع امامنا التساؤلات المحيرة عن:
ماهية الانسان!
ماهية الالهة!
ماذا يعني الزمن ؟
أي هو الخالق وأي هو المخلوق؟

أسئلة عويصة قدمها الراوي كلوحة مرسومة بوعي محدد لكافة العلاقات التي تربط أطرافها، صور لنا الحسي المباشر، والعقلي المفارق، وهذا هوالنمط العلائقي الدائم الذي يشكل وجود الفرد بداخل جماعته أو مجتمعه البشري بغض النظر عن كيفية هذا الوجود أو نوعية تلك العلاقه.لكنها ومن خلال تتبع الرواية توضح ان هذه الحيرة هي الاشكالية الرئيسية التي خاض في خضمها بطل الرواية والتي أوصلته الى عدمية وجودية افقدته علاقته الخاصة بمحبوبتيه ومن ثم نهايته وحيدا يجتر افكاره ويحاورها.

مكونات الرواية:
يتكون اي عمل فني من جزئياته الصغيره التي تشكل بناؤه المتكامل ومن ثم تعطي الانطباع الاول لخاصية هذا العمل او ذاك وبالمثل هي الرواية اذ تبدأ مكوناتها الجزئية بابطالها ومن ثم العلاقة التي تربطهم وبالتالي تجعل لهم وجودا داخل الوسط الذي يدور فيه الحدث المكون لنسق الرواية. تتميز رواية (عرق الآلهة( في الاسلوب المتداخل في وصف الشخصيات وتمازجها مابين الانا والاخر ويجسد بطل الرواي «شمسان» هذا الامتزاج او الانقسام في ان واحد، فأنا شمسان المسيطرة هو الانسان المتحضر العالم الذي يدير ابحاث علمية نتجت عن ثقافة علمانية متقدمة، الزوج السعيد بزوجته الملائكية الجمال الشاعرة المتناهية الرقة، المؤمن بالحرية المطلقة وحق الانسان في تملك قراراته وصنع حياته، الباحث عن عالم يحاكي عوالم الآلهة. هذه هي انا شمسان المطلقة بتفانيها في حب زوجته وتفوق قدراته العلمية، ثم تهيمن عليه ذات "الاخر" النفسيه المعقدة التركيب، "شمسان" اليمني الاصل القادم الي حضارة وثقافة تختلف عن حضارة وثقافة منشأه تماما، الاسير لازدواجية هي محور يقينيته ككائن حي وكوجود في نفس الوقت. ازدواجية الثقافه، ازدواجية الحب، ازدواجية العالم المعرفي الذي يبحث فيه والذي تسيطر عليه مبادئ تربوية صارمة خلقت بداخله الاخر الذي يحاول ان يتناساه صانعا لاناه الانفرادية الكامنة مشاعر من الخيبة واستجرار لواقع يحاول رفعه الي المطلق المعرفي لتفنيد الاسس الصارمه التي شكلت تربيته المبكرة. فاذا يمكن القول انه ايضا " انا" كفرد وهو الراوي او هو"الاخر" بكل الاحداث الجماليه الفنيه الموصوفه والمرتبطه به بشكل او بأخر.

بجانب " شمسان" تأتي زوجته: «فردوس» كحدث رئيسي في الروايه. فهي "حدث" من حيث العلاقة القريبة التي تربطها ببطل الرواية شمسان والتي فرضتها قانونية اجتماعية اناسية مشتركة الاجماع ومعترف بها في النظم الاجتماعية بغض النظر عن مكان وجودها ونوعية ثقافتها السائدة، وهي علاقة الزواج والتي بأساسها منظومة عملية دخل المجتمع لرابط معين. وهي" صفة" من حيث ميزاتها الجماليه .الجمال، الرقة، الشاعرية، توقها المطلق لتجاوز الواقع بصنع الخيال" اللدني" او الالهام الذي يتجاوز الواقع ويخترق حدوده المرسومة وقوانينه الطبيعية و"فردوس" تتجاوز اللغة بملكتها الشعرية كي تصل الي " العرفان" الذي يصل فيه الشاعر الي اعلي مرتبة في قواه المتخيلة وبالتالي تاملاته الخارجة عن اطر البلاغة وقواعدها.(ص24) وهي"واقع" لكا ئن ما يعيش في هذا العالم ويشكل بنيته الكونية في لحظة ما او في زمن ما.

تاتي بعد ذلك الشخصية الثالثة في الرواي وهي: «حنايا» التي نجد شخصيتها تقترب كثيرا من شخصية شمسان من حيث تركيبتها النفسية وامتزاج خبرتها الثقافية بين واقعين متغايرين في تركيبتهما الاجتماعية كما تقاربه ايضا في حمل زوايا مغلقه تركها في نفسها ارثها المباشر لثقافتها الاولى، ولم تستطع بفكرها المتطلع أو بعبقريتها العلمية التخلص من هذا الارث الديني والاجتماعي الذي تنتمي اليه فهي التي تعلن انها تكره اي انتماء،في جانب اخر توضح انتمائها"هل تعرف أنني من جهة أبي اباضية. ص250 هي مثل شمسان ايضا تتصارع بداخلها "الانا"، و"الاخر" بشكل قوي جدا. كما تقترب "حنايا" من "فردوس" من حيث كونها "صفة" بميزاتها من الجمال والرقه والذكاء والتوق الدائم في البحث عن عالم مطلق تختفي فيه الحدود والموانع المرسومه والتي تحدد القوميات والاجناس. وهي" حدث" لكونها كائن ينتمي الى منظومه مدربه تقرر او تعمل على حدوث فعل.وهي "واقع " وجد في حدود مكانية وزمانية معينة.

الشخصية الرابعة في الرواية هي شخصية افتراضية، خيالية، واقعية. وهي برنامج الفيلسوف، كاشف الأسرار. «ثمة ايضا برنامج آخر اسمه (الفيلسوف، كاشف الاسرار) يربط برنامج (قارئة الفنجان) بقاعدة موسوعية من المعارف العلمية والثقافية والاجتماعية، النظرية والتطبيقية، لينتهي بتقديم تقرير شامل، يمكن قراءته على شاشة الكومبيوتر بعد دقائق فقط!» (الروايه ص23) هذه هي الشخصية المركبة التي يقدمها لنا الراوي ببراعة علمية درامية مؤسسا فيها لاسلوب جديد في الرواية العربية، اذ يبنيه بشكل متماسك يتعرض فيه للخيال وللواقع، للجزئيات الكونيه والاكتشافات التي انتجت الواقع الحالي ومن ثم علاقة هذه التركيبة المشكٌلة بابطال الرواية كل في مجاله ومحيطه. هي شخصية "افتراضية" لكونها لاوجود لها في الوا قع، افترض الراوي وجودها كنتيجة للتقدم الحادث في مجال علوم برامج الحاسوب، والتي قد تتحول الي حقيقه لاتستبعد في يوم ما .وهي "خيا ل" اولا لكونها متخيلة ثانيا بكونها وسيلة لعرض عوالم تواجدت كخيال مفارق للمتعارف عليه في الذهنية الاناسية المشتركة، ووجدت فقط في ذهن الراوي بعوالمه المتخيلة والتي تجاوزت حدود الواقع لكنها اوضحت بشكل ملموس كثير من صوره. ثم هي"مشخص واقعي" كنتاج قاعدي لبرامج وجدت اسسها في العلوم التجريبية التي يبحث فيها الانسان ذاته، ومن ثم افرزت وصفا لواقع وجد فعلا، هو الواقع المباشر والمحكي في الرواية، والذي يمكن القول فيه انه واقع اجتماعي ملموس، بكل مكوناته وتركيبة بنائه.

بعد كاشف الاسرار يأتي برنامج خيالي آخر اطلق عليه الراوي: «ح. أ» أو كما وضحه المؤلف فهو البرنامج المعني بالحياة الاصطناعيةاو ب "الذكاء الاصطناعي"وهو برنامج آلي يحاكي دماغ الانسان،"يهدف البرنامج إلى محاكاة الحياة البشرية: تتقدم فيه عجلة الزمن رويدا رويدا". (ص 90)

المكان:
كما سبق القول فان اهم مكونات الرواية، اية رواية، هو الوسط الذي تدور فيه الاحداث، وفي رواية (عرق الآلهة) يرسم الراوي حدود الوسط الجغرافي للحدث بنفس اسلوبه المتميز الذي صاغ به لوحته الدرامية وهو قطبي"المحدود والمطلق". البقعة الجغرافية المرسومة بتسميات مدنها وحدود بلدانها فرنسا، اليمن، مرسيليا، فينيسيا، عدن، وكل تسميات الاماكن التي ذكرت، لكن الرواية صيغت في وسط مطلق هو الكون ببنائه ونشوء مخلوقاته وتطور ثقافاته وتوسع مجموعاته البشرية وتشابه فكرها وفلسفاتها وقوانينها الفيزيائية ومشكلاتها الرقمية.

خلق الراوي لروايته وسط نادر بمزاوجته مابين الزمان والمكان، الحاضر المعاصر والماضي السحيق، للمادة المحسوسة، والهيولي المفارقة. ففينيسيا البلد الموجود كواقع، وسط مباشر للدراما المخلوق فيها الحدث، لكن الحدث نفسه وهو العشق حدث غير مباشر، والمكان نفسه هو بداية العشق ومنتهاه في حالتيه الاثنتين لملكة الشعر وملكة الرياضيات، فردوس وحنايا. وهذا المكان الذي كان يتخذ صفة جمالية معينة لحظة تفاعل الوجود الانساني فيه يفقد هذه الجمالية ويتحول الى صور متبخرة في عالم النهاية التي صاغها الراوي لعشق بطل روايته لمحبوبتيه والذي انتهي في نفس المكان او الوسط.

الحدث:
يتشكل الحدث الدرامي في رواية (عرق اللآلهة) من حبكة بسيطة المغزى الا ان ما اوجد تميزها هو الوصف اللامباشر لأكوان أخرى تتداخل مع الحدث المروي ـ فلحظة الحب بين شمسان وفردوس ـ تتخللهارحلة برنامج «ح. ا» في تطور الاديان وعوالم الآلهة. وبالمثل لحظة لقاء شمسان بحبيبته حنايا يتزامن معه حديثهما عن منظومة مستكشف برنامج «كاشف الاسرار». يدور الحدث الرئيسي حول قصة حب، فبطل الرواية شمسان سيطر عليه حب امرأتين ظل يصارع في نفسه ليحتفظ في قلبه بحبهما، لكنه في النهاية أضاع كلتيهما وتفرد بنفسه، وتعتبر هذه العلاقة متميزة ونادرة، لتميز قطبي العلاقة ذاتها. اذ كانت المرأتان نموذجا متميزا من النساء سواء من حيث الجمال الملائكي، او من حيث الملكات العقلية المتفوقة، ياتي السرد المتميز والذي يتجاوز الحدث المباشر لاي سردية مروية الي تأملات كونية لاحداث ومفارقات شكلت بناء طبيعة الخلق والكون وطبيعة الرواية في نفس الوقت. فالعلاقة بين شخصيات الرواية سواء الرئيسية او الهامشية هي علاقات تتصاعد مراتبيا لتناقش الروحي والاخلاقي في الطبيعة البشرية، العشق والجنس، المحرم والمباح في كل الانشطة الانسانية والعلاقات بينها،إبتداء من العلاقة الاسرية وانتهاء بالعلاقة الدينية بين الفرد ومعبوده، وبين الفرد والحاكم الذي يتفنن في استخدام حجة الدين للقمع والارهاب ونشر العسس لمراقبة أبسط اشكال العلاقات الانسانية.

وياتي الجنس الذي يعد احد الانماط المحرمة او المقننة ـ على امتداد ارث ثقافي طويل ـ يأتي في رواية (عرق الآلهة) كحالة طبيعية فطرية ادخل فيها الوسط المرْوي جماليات متعددةن تزيد من تأجج الرغبة التي هي في الاساس توق للخلاص من توترات الطبيعة البشريه، التي يولدها التكوين البيلوجي للبشر والداعي لللاتحاد المؤدي الي الانقسام بالتوالد للحفاظ علي النوع البشري حسب قوانين الطبيعه. واذا فالرغبة الجنسية في الرواية غير مواربة او خاضعة لقيود تحد من وصف أدق مراسيمها، بل تعتبر نتيجة طبيعية لقطبي السالب والموجب، الملقح والمتلقي، الذكر والانثي، تماما كفكرتها في الفلسفة الكونية والاساطير، والتي تجعل من التحرر من الرغبة الجنسية نقطة وصول الي الحقيقة الخالصة، او وحدة المتضادين ومن ثم بدء للخلق. لكن هذه الرؤيا الفكرية المتسامقة في علوها للجنس في رواية (عرق الآلهة) لاتنفي ان تلك الممارسات تداخلت معها رؤي مجتمعية وثقافية فرضتها التركيبة النفسية لابطال الرواية والمخلوقين ضمن مرجعية تلك الرؤي.

الأحادية في رواية «عرق الآلهة»:
حين وضعي لهذا العنوان كمدخل لدراستي هذه وجدت نفسي اتساءل بحيرة، هل حقا هناك أحادية في الكون؟ وهل فكرة الرقم "1" واحد الذي تتكون من مبدأه تركيبة معقدة ومركبة من الارقام حقيقي القياس ام مطلق؟ حتي فكرة التوحيد في الدين ـ كيف وجدت ـ او من القائل بها ان كانت سموات الله نفسه تعج بالملائكة والمساعدين والمتمردين من الشياطين ثم ابناؤه البشر من الرسل! ويأتي بعد ذلك فردوسه وجحيمه بكائناتها، واذا في اي موضع من هذا كله يتربع الله علي عرشه؟ ناظرا سبحانه الي الكون والكائنات إن كان قد سخر في مملكته من يقوم بكل مهمة علي حدة حتي حساب البشر وقبض الروح لها من يقوم بها، وإذا اين هي الاحادية من كل هذا؟ هذا ما أجابتني عليه رواية (عرق الآلهة) ـ سواء ضمنيا او بشكل مباشرـ، وجدت فيها ان فكرة الاحادية بمفهومها الديني فكرة خيالية، مفارقة لاوجود لها الا في أذهاننا نحن المؤمنين بالله سبحانه وتعالى! حيث يتكرر في اكثر من موضع في رواية (عرق الآلهة) مناقشة موضوعيه لوحدانية الله. ووجود الروح " اللغه حافله بذكر الفاعل الغيبي والاحتفاء به، اللغة موطنه الاثير. تسبح له" "المنزل، المدرسة، المعابد والكنائس والمساجد، تعلمك وتكرر لك مليون مره اقوال الفاعل الغيبي، اوصافه، وأسماءه، تعاليمه" (ص233). الله الموجود في ذهن شمسان الشخصيه الرئيسيه في الروايه مر بعدة مراتب كما وضحة" كاشف الاسرار"

اللحظة الاولي: هي لحظة البحث عن مفهوم الآلهة نفسه، وكيف عششت هذه الفكرة في الذهن الانساني ورسمت خطوط حياته، واطرت حتي روابطه الاجتماعية والعلاقة التي تربط ذاته بالذوات الاخرى. كيف بحث الانسان عن الروح" في البدء كانت الروح: شبح داخل ماكينة اسمها الجسد" ص55 ولرواية عرق الآلهة نفس التوجه فهذا الشبح الذي يسكن الجسد له اكثر من تفسير فإذا كانت الاديان قد فسرته في كتبها ب "نفحة اثيرية تغادره يوما ما، تذوب في الضوء" فإن العلوم قد فسرته ب" شحنات كهربائية في نوافذ اتصال مع بعضها داخل الدماغ" ص56

اللحظة الثانية: في مسيرة البحث عن الآلهة في ذهن "شمسان" ارتبطت بشكل مباشر بصورة الاب، وبالنسبة لمطلق الرواية فهي عملية تربوية غيبية تغرس في ذهن خام، ويظهر جليا كيف وظف الراوي المذهب النفسي الفرويدي في استرجاع الوقائع بشكل حسي مباشر لكنه وبدهاء يوظف نفس المنهج في استرجاع الكيوننة العامة ابتداء من حالة اللاوجود ثم الي حالة الوجود ثم الي الوضع الحالي للكائنات مجسدة بتحليل ردود أفعال الأشخاص الموجودين بداخل الرواية. جعلنا الراوي ندرك الحالات التي يمر بها بطل الرواية ويجعل من ذاكرته المحور الاساسي الذي تستنبط منه كل التخيلات او التفسيرات التي جاء بها مستكشف الذاكره «كاشف الاسرار».

لنعد الي اللحظة الثانية في ذهن شمسان والتي بأعترافه تسيطر عليه صورة "الاب" وسلطته وقسوته في تلقين ابنه علوم الفقه المعقدة والتي توصله الي متاهات تلبك ذهنه الصغير، وفي لحظة رضاء ممثل هذه السلطة يلقي له بالعبء الاكبر ويحمله مسئولية قرأة الذكر علي روحه. لم يقراء الاب آفاق رحلة ابنه الحياتية، وهو يطلب منه اهداء ثوابه لروحه طوال حياتهّ! يالها من مكافأة "اتتذكر الوصيه"؟ ص 52 توحدت سلطة الواحد في ذهنية الرواية وبالطبع هي الذهنيه الممثله لمكوناتها وهم ابطالها فسلطة الاب الممثل المجسد للدين تاتي من سلطة الإله الذي يمثله هذا الاب المتفقه في العلوم الدينية. رأى شمسان عبء الدين، الممثل بوصية والده له، لكنه يقرر الوفاء به بدافع الحب او كما دار في ذهنه اعتبار وفائه للدين فضيلة للفضيلة نفسها، وهو المذهب الاخلاقي للكينونة الصحيحة للمجتمعات، والذي انقلبت عليه بعض الاديان، وكذا القوانين حين وضعت مذهبي الثواب والعقاب اساس لتقييم الفعل البشري. وهكذا كانت الوصية هي طريق الاب لكسب رضا الرب المستمر، وبالتالي هي الرغبة الكامنة ان ينهج الابن نفس النهج في التواصل مع الآلهة عن طريق تطبيقه المستمر لبنود الوصية وهي قرأة القرآن لروح الاب باستمرار.

يظل بحث شمسان عن الآلهة متزامنا ببحثه عن الحب الواحد. ففي المحبوبة يبحث شمسان عن الحدس الانثوي الخالق كدرجه اولي، ثم الوجود الانثوي بصورته الجمالية باعتباره صورة للالوهية، يتجلى ذلك في وصفه لحبيبتيه "أنا اديم تقدس هاتين الشمسين، تستضيء بهما،تغتلي بدفئهما،أنا، لاغير، ارض لشمسين، معبد لآلهتين، مخدع لحلمين، جوف لقلبين". ص27 فمحبوبته فردوس هي المثل الاول لهذا الحب هي مثال الربوبيه الواحده لعشق المرأة بل وتأليهها، تمثل له البدايه للسير نحو المطلق،الانتصار علي الفناء اليومي،في عيونها تجاوز لنهاية الاشياء تماه بالآلهة، هي بشِعرها الذي تبدعه مطلق الحياة لكنها بأنوثتها خشوع لذلك المطلق، تحرك الحواس بترادف مع لغتها الروحيه.ص 16،17 إلا ان ايمان بطل الرواية بفرادة عشقه المثالي لايقف عند حدود معشوقة واحدة فالمعشوقه الثانيه لها نفس صفات الربوبيه من منطلق أخر

حنايا .. ليست من الهة الشعر والخيال، لكنها من الهة الرياضياتن الهة الصفر واللانهائيات. "أعشق فردوس وحنايا معهما اعيش في بعدين متعامدين". ص26 إذا فالبطل في رواية (عرق الآلهة) يتقافز في مراحله الادراكية للكون من حوله بين اكثر من مدى"الوهية الخالق والوهية العشق"، وفي نظري هذه هي البؤرة المجهرية التي دارت احداث الروايه او في فلكها: الألوهية والعشق.

الإلوهية والعشق:
إلى أي مدي اوضحت الرواية هذه الفكرة الجوهرية، الاحادية، احادية اللآلهة ومن ثم أحادية العشق بأعتبار كليهما توق نحو غاية قصوى؟ يقول الروائي حبيب عبد الرب في حوار معه: «أقال شمسان الآلهة من دماغه، بفضل معشوقتيه، اكتشف بفضلهما ضحالة مفهوم الألوهية، ومفهوم الاحادية في العشق، لأن الدماغ البشري الذي خلق وحدانية الآلهة هو نفسه الذي فرض وحدانية العشق"». واذا فهو يربط بينهما فعلا، فالبحث عن الحب هو البحث عن الايمان او عن الخضوع للخيال المتفرد الذي تصارع الاديان من اجل اثباته. وشمسان: الشخصية الرئيسية في (عرق الآلهة)، والذي تشكل فكره الصورة النمطية للأب المتدين، تلك الصورة التي لم تستطع حصيلته العلمية، او تجاربه الحياتية الخلاص من تأثيرها او محو أثرها فيه، يحاول تعويض تلك الصورة بالبحث عن توق روحي يملاء الفراغات التي امتلاءت بالديني المثالي في طفولته، بايمان مثالي اخر يتناسق وعيه الادراكي الذي هو فيه، وفي نفس الوقت يشبع التوق الروحي والحسي بداخله، يجد ذلك في حبيبته الاولي، شاعرته التي تخفي بشكل مبطن شاعريته التي تنازل عنها من أجل ابحاثه العلمية، لكن ايمانه بها يخفت بتعامد فرادة اخرى خضع لها بتأثير حبيبته الثانية حنايا ملكة الرياضيات، التي كشفت له عن طريق ابحاثها واقع حاله، واوصلته الى مرحله من التذبذب! وقع بطلنا في اشكالية كبيرة هي اشكالية الشك، النبراس الدائم للفكر البشري في بحثه الدءوب عن الحقيقة!

الشك في الحب هو ذاته الشك في الآلهة، قصور النظر في مشاهدة اثار الله هي نفسها حالة قصور النظر لدى المحب في مشاهدة حسن محبوبه! يفقد شمسان اليقين في حبه لفردوس معبودته الاولى، ويفقد يقينه في معبودته الثانيه حين يبدا احساسه بالغيره " شياطين الغيره تقهقه في خرائب روحي الداكنه" ص210. وليس هو من فقد اليقين بالحب فقط بل ان معشوقتيه ايضا فقدتا يقينهما بحب معبودهما شمسان.أقالته معبوده الاولى فردوس حين شعرت انها لم تعد الواحدة المتفردة في يقينه، واقالته حنايا حين شعرت انه لم يكن الاله الذي ظنته، بل هو رجل نتاج لواقع قضت عمرها في الهروب منه، واقع الشك والغيرة والتسلط. انتهى شمسان وحيدا كحيوان او كاءله سيان. كل هذه التفاصيل لايضاح فكرة الراوي في محاولته لنفي احادية مطلقة بحثتها اولا الاساطير ثم االطرق الدينية المتعددة، وهيمنت في الثقافة المجتمعية واثرت بشكل كبير على العلاقات الانسانية داخل تلك المجتمعات. يطرح الراوي هنا فكرة جوهرية هي حتمية الفناء او النهاية، لامجال للديمومة، وبالتالي ان كان الواحد كمطلق وهو الله يصوغ الفناء في تداخل حتمي مع الحياة فكيف سيتسنى له نفسه الديمومة في خضم كل ماهو فان؟ يعلن الراوي في روايته ان هذا الواحد والذي هو الاله او مجمع الآلهة علي مدي زمني ممتد قد اعلن عجزه واعتزل الالوهيه أجل لقد "استقالت الآلهة" (ص83) تماما مثلما استقال عشق شمسان الاول لفردوس، ليحل محله عشقه الاخر لحنايا، لم يستطع ان يوفق بين العشقين ظل في تأرجح مستمر بين العالم الحسي وبين الشوق أو الاشتياق كفكرة مطلقة. وهي نفس فكرة الاحادية الدينية، الى ان تركته حبيبته الثانية ايضا، "أضحى شمسان وحيدا في خاتمة المطاف، لكن نفسه لم تحقق الوحده التي سعى اليها في حياته او فلنقل ان روحه لم تستكن، يظل الانشطار ملمح اساسي في شخصيته، الانشطار الذي اودى به لفقدان من احبهما، او فلنقل الانشطار الكامن في روحه والذي اودى به الى ان يتكوم في بؤرة مصمتة لاشكل لها هل هي جزء من الحيوان الذي هو بداخله ككائن حي ام جزء من الآلهة التي لاوجود لها الا كفكرة مطلقة غير ملموسة. لكنها خليط ناتج عن صراع بدخله بين واقع الحقيقة التي يعيشها في جل التطور العلمي، وواقع النشأة الذي لم يستطع الخلاص منه!

وهكذا يؤمن البطل في النهاية ان الواحدية المطلقة لاتوجد الا في الاذهان التي تطمح الى وجودها، وفي منطق النقاش بين س"و"ص" في الرواية رسم لسيكلوجية المعتقد في ذهن المؤمن. وكيفية تحويله لايمانه الى عملية توفيقيه بين باطنه الذي يخفيه وظاهره الذي يود اظهاره،وهو بذاته الوظيفه المثلى للخيال في حال انحصار الفرد في واقع مأزوم او اشكالية معينة.

واقع «عرق الآلهة»:
يقول الروائي حبيب سروري في احد حواراتي معه: «اعتبار كاشف الاسرار كواجهه بلاستيكيه للراوي لبرهنة ان رواية (عرق الآلهة) روايه فلسفيه، ربما غير صحيح، (عرق الآلهة) رواية خطية، فيها أحداث كثيره متداخله وشخوص هامه، بجانب هذه الواجهه البلاستيكيه، لها حياتها وتاريخها» هذه بالفعل رواية (عرق الآلهة)، فحتى المكتشف العلمي المبتدع في الروايه، صمم لأيصال واقع حي، واقع تعايشه مجتمعاتنا العربيه من شرقها الى غربها. والعوالم الافتراضيه التي تدور أحداث الروايه فيها وضعت لايضاح واقع حقيقي ووسط اجتماعي محدد، إلا انني أرى ان الحدث الوصفي ترادف مع توظيف الرؤية الفلسفية، ليصل الى وصف الواقع، والمتتبع للرواية مثلا لايستطيع نكران الفكرة "الكانتية" في الفلسفة والتي تعني دراسة التداعيات التي تخوضها النفس البشرية متجاوزة التجربة الطبيعية، لكي تصل الى فهم مفترض لمفاهيم افتراضية، لها علاقة بالروح والعالم والآلهة. وهي أهم الافكار التي ناقشتها الروايه بل ووضعتها محور لصيرورة الحدث وحركة شخوصه، كما اتبع الروائي طريقة فذة في تتبع منابع الفكر الانساني عن طريق الميثولوجيا ومن ثم تطورها الى ان اصبحت تعاليم الهية اخترقت كل أوجه العلاقات الاجتماعي والطقوس الحياتية، والشرائع، والاخلاق، بل وتفسير كل الظواهر الطبيعيه، تماما مثلما دخلت في الحياة السياسية لتوطيد مصالح الحاكم والحديث باسمه. ص 204ـ205 كما ان القارئ ايضا لايمكنه اغفال الملحقات التوضيحية في الرواية والتي استندت الى مزيج متكامل من النظريات الفلسفية والطبيعية والنفسية، لكن كل ذلك كما قال المؤلف لايجعلنا نصنف رواية "عرق اللآلهة" كرواية فلسفية صرفة، كما سبق رواية (عرق الآلهة) تناقش واقع معاش ومباشر. هذا الواقع يمتد بين عالمين :الشرق، والغرب.

الشرق والغرب:
كان لأكتشاف الكتابة دور كبير في الربط بين هذين العالمين، اذ كانت فعلا هي البداية الفعلية لنقل الذاكرة الجمعية التي شكلت الحضارات والامم، وساعدت على الربط بينها، وفي الرواية ظل العالمين موضع تحليل، فالغرب العلماني استعصى على الالهة البقاء فيه ومن ثم ادار وجهه ورحل عنه لكنه ظل مستوطنا للشرق الذي جاء منه شمسان كما جاءت منه حنايا، وكلاهما لم يستطع الخلاص نهائيا من هذا التأثير. الغرب في رواية (عرق الآلهة) هو المثال، البحوث العلميه، الاتزان النفسي، الجمال وآثاره،ربما كانت شخصية فردوس الخالية من التعقيد هي المثال المعبر عن ذلك الواقع. ثم يتكون الشرق، العاشق الدائم للغيبيات التي تدخل حتي في مصوغاته السياسية بل هو احد المصوغات القانونية للسياسة التي تتحكم بتلك المجتمعات او بذلك الواقع. قبل اكثر من قرن من الزمن أعلن نيتشه موت الله. وأعلن حبيب سروري في روايته (عرق الآلهة) قرار الآلهة بالاعتزال، لكن تراجع الآلهة لم يخدم مجتمعات الشرق، فقد ظلت تبني واقعها بناء على تعاليم تلك الآلهة . تضع رواية (عرق الآلهة) تساؤلا فلسفيا واقعيا عن طبيعة الذهنية الاناسية التي تتشرب تعاليم الآلهة منذ ان بدأت في صوغها على شكل مجسمات تعبدها الى ان اصبحت قوة عليا تحكم الحياة والواقع الاجتماعي.

شمسان الفتى، ربيب ابوة دينية صرفة لها صفة الالزام وقطعية الحد القانوني، ابتداء من يفاعته ووعيه في بدء تشكله تتملكه الحيرة في شخصية ابيه المتهجد ظهيرة وليلا، حيرة في سلبيته ومسايرته للأمور وعدم اعتراضه على شيئ. رغم عشقه للفكر بشكل نوعية الحبر الذي كان يعتبر عشقه الدنيوي الا انه لايرى في هذا الحبر أي معنى للرقي او التطور الفكري. لذا حين يخضع شمسان لكبت دائم يتجسد جليا في توضيح كاشف الاسرارأن لتلك المرحلة من حياته تاثيرها الكبير عليه،و كما ظهر في حلمه عن لقاه مع حبيبته حنايا في "عاصمة الكبت والجلافه"ثقل الارث الثقافي الذي يحمله. واقع شمسان هو ذاته واقع حنايا المتارجح بين الشرق والغرب بين واقع الام في بريطانيا وواقع الاب في عُمان. بين تقاليد القبيلة المؤطرة بالسلطة الشرعية للدين، وتفتح الغرب وديمقراطيته في حق الفرد بالاسلوب الذي يحقق رقيه.وهو ايضا ما اوضحته مذكراتها وتجسد في الخوف الدائم المزروع بداخلها رغم وصولها الى درجة عالية من التطور الفكري . تجسد في احلامها الرهابية بل وردود فعلها المستفزة ايضا.

هذا هو واقع الرواية الذي لايبتعد عن "العوالم الافتراضية" الذي وضعت كخلفية لتفسير هذا الواقع وبالتالي توضيح إختلاجات ومكنونات ابطال الروايه انفسهم. ليست رواية (عرق الآلهة) رواية فلسفية كما اوضح الروائي حبيب سروري في مستهل هذا الكلام، لكن هذه القراءة تري ان الروائي قد لعب على محورين فلسفيين هما منبع للجدل الفكري في النهضة العلمية الحديثة، هما مبدأي "الزمن"، "والكينونه" هذين المبدأين اللذين قام عليهما جل الجدل الفلسفي المعاصر، سواء في العلوم التطبيقية أو العلوم النظرية. برنامج «ح. ا» يرحل في عوالم افتراضية تمر بمدى زمني لتطورات تاريخية معينة، وكل ذلك ليوضح المؤلف الكينونة القائمة للمجتمعات العربية الان. الكيفيه التي تطور بها الادراك البشري للطبيعه وفي خضم هذا التطور يطرح لنا سؤالا هاما: لم لم تمحي الأحقاب الزمنيه التي مرت بها الانسانيه كل التفكير الخرافي والديني من عقول البشر، رغم ثبوت عدم صحتها او عدم وجودها؟

جاءت شخصيات الروايه مجسدا حيا لثقافه سائده في مجتمعاتنا اليوم، واركز هنا على لفظ مجتمعاتنا المعني بها المجتمعات الشرقية، والتي تسيطر عليها تلك الافكار، افكار تقيد انطلاق الابداع الانساني وتحده، افكار تخيفه وترهبه على المستوى الشخصي او العام، افكار تمنح السلطه والقسر ابتداء من سلطة العائله ثم القبيله ثم الدوله، تقيد الحريه الشخصيه وتقولب حدود العقل في حيز واحد لايجب تجاوزه. اوساط لها موانع الحدود ويحرسها المطاوعه والارهاب والعسكر.

خاتمة:
تشكل اية رواية مجموعة من العلاقات المرتبطة بأحداث متشابكة في ترابط زمني او درامي مرسوم. وفي رواية (عرق اللآلهة) سعى الراوي الى إبراز هذه العلاقات في خضم التطورات الحادثة للذهن البشري في مسيرة الاكتشافات العلمية التي خاضها. رصد بشكل دقيق للحظة الحالية من خلال الحالة الوجدانية والعاطفية التي يمر بها أبطال روايته، والتي ينظر اليها من خلال الكيفية التي تكون عليها هذه الحالة او تلك من المشاعر وردود الافعال المرصودة. ثم وببراعة ربط بين الحسي المباشر والمطلق المفارق ليصل الى فكرة الغيبية المطلقة التي لاوجود لها، ولكنها مهيمنة ومتحكمة في بناء أناسي كامل، بل وتشكل منظومة نفسية واجتماعية لها قوتها والزامها في مجتمعاتنا العربية.

الرواية بفكرتها الرئيسية هي رفض لكل القيود التي تلغي تطور الفكر، دعوة لوجوب التمحيص في حالة الركود والاستسلام الحادثة في مجتمعاتنا والعمل على التمييز والاعتراف بل وتحمل المشروعية المشخصة للاخفاق والتراجع الذي يلم بالامة العربية وفي نفس الوقت العمل علي التمييز والاعتراف بمشروعية الرفض لكل اسباب هذا الاخفاق.

وبعد لايسعنا إلا الاعتراف بالاجلال لهذا العمل الابداعي الخلاق، والذي يضع أمامنا فكرة موضوعية لمناقشة كل تراثنا الديني والثقافي والعلمي أيضا، وغربلته كوحدة متماشية مع كون كامل من المعرفة، لكي يتسنى لنا عبور مراحل السبات الطويل الذي مازلنا نعاني منه ومن ثم خلق المعطيات الواقعية للتغلب عليه وتحقيق النمو المنشود الذي نحلم او ربما نتمني الوصول إليه.

 

كاتبة وباحثة اجتماعية من اليمن

 

مراجع:
حبيب عبدالرب سروري، عرق اللآلهة،الكوكب،رياض الريس للكتب والنشر،مارس 2008.
حبيب عبد الرب سروري، الجنة وجهنم في ملكوت رسالة الغفران،القدس العربي،8ـ11ـ2010
حبيب عبد الرب سروري، «العلاقة بين التخييل والتامل الفلسفي: رسالة الغفران نموذجا»، مجلة الكلمة، عدد44  ديسمبر 2010
هنري كوريان، ترجمة فريد الزاهي،أبن عربي، منشورات مرسم الرباط، 2006