في محاكاة ساخرة لحكام البلاد العربية وزعمائها – من سقط منهم أو من أوشك على السقوط – يكتب القاص الفلسطيني عن هذا الحمار الأبيض وخطابه الفلسفي الذي لا يعيه معشر الحمير والذي سرعان ما يتكشف عن خوائه وضحالته حينما يتعرض الحمير إلى هجوم الذئاب.

حكايات من عالم الحمير...!!

سيد ماجد مجدلاوي


1 -
حمار ابيض وذكي
كثيرا ما ادعى الحمار الأبيض القائد بقدرته على التمييز بين الخواص ذات القيمة والخواص الطارئة. طرح على عموم حمير الخان وحمير البلد والحمير من الزوار والبلدات الشقيقة، تفسيرا قريبا لما طرحه الفيلسوف الإغريقي أرسطو عن نفس الموضوع.والحق يقال إن الحمار الأبيض لم يسمع بأرسطو، وأرسطو لم يفكر أن حمارا ما قد يصير قائدا لنظام خان عربي وفيلسوفا في زمن قادم، يكون من الحكمة والذكاء على قدر يجعله بموازاة أرسطو.

ذكاء الحمار الأبيض القائد أصبح حديث الحمير في البلدات المختلفة، بل وتناقل أخبار ذكائه أصحاب الحمير، كما يتناقل اليوم الناس أحدث الأخبار. صحيح أن بعض الحمير عبروا عن استهتارهم بهذا اللغو البشري، ولو عرفوا النطق، كما يعرفون النهيق لأوصلوا الرسالة لأصحابهم ولينقلب فرحهم غضبا.. المسالة لم تعد تفرق مع حميرنا التي تعاني من اضطهاد وتقييد في حريتها، وتشغيل بالسخرة مقابل بعض العلف الذي لا يتغير ولا يضاف إليه ما يفتح الشهية.. وليس بالصدفة أن يعرف الحمار باسم " أبو صابر ". غير أن المقلق كما يتبادل الحمير الأسرار فيما بينهم، بلغة مشفرة يعجز عن فك طلاسمها أشطر الناس.. أن يكون وراء ذكاء الحمار الأبيض الذي تزعمهم عنوة، حقيقة قد تغير أسلوب التعامل معه، فيحظى دونهم بما يحلم به سائر الحمير.. معاملة محترمة من أسياد العالم.. البشر، فقد بلغ السيل الزبى من القهر والعنف غير الضروري.

وحسب المعلومات المنقولة من خان الحمير، حيث بات الحمار الأبيض يعامل باحترام حتى من مسؤول الخان وعمال النظافة، بحيث لا يحملوه أوزانا مرهقة كما هي حال سائر الحمير.. ربما بسبب لونه الأبيض؟ ربما بسبب فهمهم انه حمار على درجة من الذكاء النادرة في عنصر الحمير؟ والواقع أن المسؤول عن الخان، قد يكون فك طلاسم هذه اللغة التي يتبادلها نزلاؤه بعد يوم عمل شاق، إذ أن تواجده معهم يكاد يكون معظم ساعات الليل، مستمعا لثرثرتهم من غرفته المجاورة لمدخل الخان.. إذ ليس من المعقول في عالمهم أن يعامل الحمار إلا بالعنف والضرب.. فلماذا هذه التخصيص والتكريم والاعتبار للحمار الأبيض؟ هل ذلك بسبب اكتشاف مسؤول الخان تميزه وعبقريته وقدراته العقلية ولغته الخاصة التي تشبه لغة الثقافة بوقعها على الأذن، حيث أن نهيقه بالغ الأناقة كنهيق ساهر زعماء المعمورة البيض.. رغم ان المعنى غائب عن فهم حتى زملائه الحمير، فكيف يفهمها البشر أو حتى مسؤول الخان؟ معضلة لم يتوصل إليها مجلس الحمير الموقر إلى تفسير.

كان من عادة الحمار الأبيض أن يقف في الزاوية البعيدة داخل الخان، مراقبا انتظام الحمير في أماكنهم، شاعرا انه مميز عن سائر الشعب، ويجيل نظراته بين حمير خانه، قبل أن يخطو خطوتين للأمام ويبدأ حديثه المنمق شارحا فحوى فكرته الجديدة، جاهدا لتفسيرها بلغة بسيطة وسهلة، قائلا: إن الخواص القيمة هي التي لا يمكن أن يوجد الشيء بما هو عليه بدونها. ويسال:
-
مفهوم..؟
ويرد الشعب مهموما من الجهل والإرهاق بعد يوم عمل من شروق الشمس حتى مغربها:
-
مفهوم !!
والشعب لم يفهم بالتأكيد. ولكنه موقف احتياطي حتى لا يتورطوا بالتحقيقات الجنائية والسياسية لدى مجلس التأديب داخل الخان، ويتهموا بالعمالة لأعداء الوطن. وتنهال عليهم العصي أثناء راحتهم أيضا. ويواصل:
-
أما الخواص الطارئة فهي التي تقرر كيف يكون الشيء وليس ما هو الشيء.
وينظر بحدة بعيني حمير خانه منذرا من اللغط المتزايد دون ان ينبس ببنت شفة، ويمشي الخيلاء دائرا حول نفسه.. عارضا لونه الأبيض المميز. وعندما يسود الصمت الكامل يقف مسلطا نظراته القاسية على الجمهور المحتشد، ويسأل:
-
الشرح واضح؟
-
واضح واضح  يا سيدنا...
ينهق الحمير بببغاوية مستصعبين استيعاب كلام ملكهم الأبيض. ولكنهن لا ينسون للحظة واحدة أن الطاعة واجبة لمن يولى عليهم. ولكن لا أحد يعرف هل تلقى الحمار الأبيض الولاية بمرسوم من صاحب الخان، أم أن موهبته قادته تلقائيا لهذه المرتبة السامية، حتى بدون تصويت ديمقراطي؟
حتى مسؤول الخان الذي وقف دون أن يراه الحمار الأبيض متأملا نهيقه الأنيق، مثل حديث زعماء المعمورة الذي سمعه مرة في الراديو... وفشل في فهم أسرار كلامهم.. والآن لا تسعفه خبرته بالمزيد من الذكاء.. وتأمل ذهول سائر الحمير أمام شموخه، أصابته الحيرة في تصرفات حماره الأبيض المحبوب من عمال النظافة، ومن عموم أهل البلد.. لما يجلبه عليهم من حظ جيد عندما تكون مهمته في أحيائهم، وليس سرا أن نساء الحارة وأطفالها المتواجدين خلال ساعات النهار في بيوتهم، يخرجون لاستقبال الحمار الأبيض وملامسة عنقه وإطعامه الخبز الناشف أو بعض القمح وعرض الشرب عليه من مياه نظيفة، ومد عامل النظافة ببعض أرغفة الخبز او بعض القروش حتى يتعوق قليلا ليفرح الأولاد بهذا اللون النادر للحمير..وربما لهذا السبب تستمر زعامته على خان الحمير.  صحيح تماما أن مسؤول الخان صار يعرف من علاقته طويلة السنين مع حمير الخان، نهيق الغضب من نهيق الغرام ونهيق الألم من نهيق الفرح ونهيق ألمعاشره من نهيق الرفض. ونهيق المرض من نهيق الصحة.. ولو كان يعرف الكتابة والقراءة لوضع قاموسا بلغة الحمير الصوتية، بحيث يصير التفاهم كاملا وشاملا بين البشر وأبو صابر..
ولكن مثل هذا الحمار لم يشهد في حياته. والحق يقال انه يدير الخان بانضباط شديد ولا يقصر بالواجبات التي يكلف بها، وإلا لصار لحمه أزرق من العصي ولصارت عظامه مورمة من الحمولات المرهقة والركض من حي إلى حي لجمع الفضلات التي لا تنتهي من الأحياء.
صحيح انه في الشهر الأخير قصر في واجباته بسبب ضغط الموضوع الجديد على دماغه. ولكن بغل جديد انضم لنزلاء الخان أنقذ الوضع بسد بعض العجز في عمل الحمار الأبيض، حتى صار العمال أنفسهم يستثنونه من العمل المرهق، ولا يجرونه إلا لأحياء الفيلات الفاخرة، حيث تبقى الشوارع نظيفة، ولكن لا أحد يخرج لملاقاته والتربيت على عنقه وطعامه وإسقائه الماء.. والحق انه كان يفضل الأحياء الفقيرة وساكنيها رغم الإرهاق الزائد في العمل.

2 – فرصة لا تعوض..
ولكل مضرة فائدة.. الراحة فتحت له المجال لتطوير نظريته، وبدأ يجد الوقت ليحدث بها مسؤول الخان الذي ينصت إليه كما ينصت الحمير، فاطمأن الى سلامة عقل المسؤول.. وقد بدأ يجد الوقت ليشرح ما توصل إليه من معرفة للحمير الأشقاء العابرين من أمام الخان. فيتعوقون رغم غضب راكبيهم وضربات العصي وصرخات " حاحا يا سايب " لحثهم على المشي.. لأن الاستماع للحمار الأبيض زعيم الخان المشهور، فيه من المتعة والفائدة العقلية ما يعلوا حتى عن آلام الضرب. بل وظن بعض الأغبياء من الراكبين أن الحمار الأبيض مجرد أتان شبقة، وهي السبب في تعوق حميرهم أمام ممر خانها.. وتغيرت نظرتهم الخاطئة حين مرت أتان في عز توحمها، فنسي الحمار الأبيض نظرياته والطابع الهادئ لتصرفاته وقفز عليها موقعا راكبها أرضا، وقامت طوشة كبيرة بين مسؤول الخان وصاحب الأتان، ولما انتهت الطوشة كان الحمار الأبيض قد قضى وطره منها وعاد لمجلسة هادئا سعيدا بأنه لم يفوت الفرصة السانحة..
وقد منح الحمار الأبيض تبعا لذلك شهادة تقدير من خان البلدة المجاورة، مشيدين بدورة الوطني في خدمة القضية الوطنية العادلة.. إذ أن الأتان التي قفز عليها ولدت حمارا ابيض صغيرا وجميلا من صنف الزعماء، لا بد أن يصل للزعامة بعد أن يرى الله أمره في والده، وصار للخان ما يفخر به مثل خان حمارنا الأبيض. بل وأوعز لمجلس الأمة في الخان أن يمنحه شهادة بروفسور فخرية.. وقد راقت حمارنا هذه الفكرة، وهذا ما كان فعلا. فصار الحمار الأبيض زعيما وبروفسورا وملكا على الحمير وفيلسوفا، أدامه الله.. وأدام عزه وأكثر نسله حميرا بيضاء ذكية.
وإرضاء لحمارهم الأبيض كرر حمير الخان، وانتشر ذلك لسائر خانات الحمير في الوطن، أقواله لدرجة أن أحدا لا يعرف هل كان التكرار عن فهم واستيعاب، أم عن مراضاة لولي الأمر ملك الحمير الزعيم القائد الفيلسوف وبروفسور في العلوم من جامعة الحمير الوطنية؟ كذلك أشادوا بمناسبة وبلا مناسبة بفكره العظيم. بل وقام بعض الحمير بكتابة دراسات عن فلسفة الحمار الأبيض معمقة وطويلة وتحفيظ سائر الحمير مقولاته ونظرياته كيفية إدارة نظام الخان، ودور الحمير في مجتمع الخان، وكيف تعامل أنثى الحمار وما هي حقوقها، وهل يصح ظهورها المكشوف أمام الحمير؟، ويقال انه أقيم مركز أبحاث خاص لدراسة عبقرية حمارهم الأبيض، جرى نشرها أيضا للفائدة العالمية في الخانات الدولية.. ووصل بعضها الى أوروبا،،. ولكن لأمر غير مفهوم لم يجدوا حميرا في دول أوروبا المتخلفة والغارقة بالجهل، فقيرة العقل والدين، إلا في حدائق الحيوان. ومع ذلك نشر فكر الحمار الفلسفي بين الحمير في حدائق الحيوان، تحضيرا لانتفاضة تعيد أوروبا غالى عصر الحمير، بعيدا عن ضياعها الذي سيقودها غالى نار جهنم، وحسب مراقبين أرسلوا سرا لمتابعة المهمة الحميرية، ازدادت حمير حدائق الحيوان ذكاء ويبدو أن انتفاضتها قاب قوسين آو أدنى مما يتوقع الحمار الأبيض، لدرجة ظن بعض أطباء البيطرة أن الحمير في الحديقة أصيبوا بجنون البقر المشهور.الأمر الذي يضمن سرية التحضيرات لإعادة أوروبا حميرية.

3 – هل تخلق الحمير للنهيق فقط؟
في الواقع أن مسؤول الخان رغم إعجابه الشديد بنزيل خانه الأبيض وانصياع سائر الحمير التلقائي لتوجيهاته السامية، إلا انه لم يستوعب استعلائه حتى عليه، وكأن الأدوار تبدلت بينهما. عندما يدخل لإطعامه يبقى منتصبا في مكانه وكأنه يستعرض جحافله المقاتلة.. مع أن الخان فارغ من وسائل القتال.. وفكر مسؤول الخان أن يكسر عصاه الغليظة على ظهر هذا الثرثار.. ليرى كيف تصير حاله.. ولكن السؤال الأساسي كان عن مدى الارتباط العاطفي بين الحمير السمراء وحمارهم الأبيض، خاصة ما لاحظه من صد الأتان لإصرار الحمير السمراء على الاقتراب منهن، والتنافس بينهن على الاقتراب من الحمار الأبيض، والذي يبدو انه أرهق بواجباته الوطنية، غير أن المستهجن أن معظم الجيل الجديد كان اسمرا، او موشحا ببعض البياض؟ ولكن الطمع أن يجيء الأحفاد بلون الجد.
كان خوف مسؤول الخان أن يسبب نكسة عاطفية للحمير، إذا استعمل العصي لإرجاع الحمار الأبيض إلى تواضع الحمير، فيخسر أكثر مما يربح. وبذلك بدل أن ينقذ حميره من مُنظر ومُتذاكي، ويتصرف كملك متوج، يعرضهم لحزن شديد وطويل تسبب الفوضى والتسيب في  نظام حكم الخان، وربما الإضراب التباطؤي.. والانعكاس السلبي على إنتاجية العمل بالنظافة... وقد يحمل مسؤولية الإضراب التباطؤي للحمير، ويعزل ويعين غيره في إدارة خان الحمير.
وتساءل مسؤول الخان:
-
لماذا يخلق الله الحمير؟.. هل للعمل الشاق والنهيق فقط؟.. هل من فائدة أخرى لهم..؟ حتى لحومهم لا تؤكل.. يمكن الاستغناء عنهم بعربات لا تجرها الحمير... ألا يفهم هذا الأبيض أنه جسم زائد في هذه الدنيا؟ فلماذا هو مشغول دائما مثل أم العروس، لا شيء يعمله إلا القفز على الأتان وإطلاق نهيقه القوي مثل ساعة المنبه؟
كان الحمار الأبيض يتأمل مسؤول الخان وهو يفكر.. ويقول لنفسه: " آه ما أتفهكم أيها البشر.. هذا ما يشغلكم كل نهاركم.. كم نقلة سيقوم فيها الحمير اليوم.. أما أن تفكروا وتستعملوا دماغكم، فهذا مرهق للعقل. ربما حان الوقت يا إلهي لتتغير الأدوار. هم في الخان ونحن طلقاء.. ولكن هل ينفع البشر للقيام بمهمتنا؟..

4الذئاب تعتدي على خان للحمير
في فجر أحد الأيام وصلهم أن اعتداء آثما وقع على خان أبي علاء في الحي المجاور من ذئاب داشرة.. على أثره جرت اتصالات عاجلة بين كبار الحمير للتشاور، وقد قر رأي الأكثرية على عقد مؤتمر قمة طارئ لزعماء الحمير من مختف الخانات في الوطن.. رغم أن التشاور لم يقد إلى موقف واضح بينهم.
وجرت الاستعدادات لاستقبال الحمير الأشقاء في خان الحمار الأبيض، المنظر في علم الفلسفة والحائز على لقب بروفسور فخري. وقد سهل هذه المهمة غياب المسؤول لمرض ألم به.
نبه الحمار الأبيض على أتان خانه بلهجة تحذيرية بأن لا يظهرن أمام الحمير الوافدة لحضور القمة، منعا لوقوع المحظور. وان التي تتهاون بتحذيره ستتعرض لمائة رفسة. وينسب نفوقها للذئاب.
تجمع الأشقاء لتدارس الوضع.. ورغم أهمية الحدث ألا أن عيونهم لم تتوقف عن البصبصة شمالا ويمينا.. لعل وعسى تظهر لهم حورية من خان الملك الأبيض، ربما لها طعم مختلف عما اعتادوا عليه، الأمر الذي جعل الحمار الأبيض بارزا على الجميع في دنيا الحمير، وشهرته عمت الشرق والغرب..
افتتح الحمار الأبيض مؤتمر القمة  داعيا الجميع لإدانة العدوان وإعلان التضامن والأسى الشديد على الحمير النافقة في عدوان الذئاب الوحشي.. وذلك تنفيذا لأبسط بنود اتفاق الدفاع المشترك. واعلم انه توصل لرؤية سياسية جديدة تماما في هذا الظرف المأساوي، وقبل ان يسمع أي تعليق بدأ يشرح سياسته رغم زيغان عيون الأشقاء وراء مؤخرات أتانه، اللواتي أخفين وجوههن حسب تنبيهاته...وقال شارحا، والله أعلم إذا أنصتوا لحديثه:
-
الخواص ذات القيمة هي الخواص التي تجعلني أنا نفسي الحمار الأبيض الذي أمامكم. صاحب الفكر والقدرات الصوتية والعقلية. إخواني، بدون عقلي لن أكون أنا نفسي. لو نزعتم لوني الأبيض الزاهي الجميل، لن يتغير الواقع، سأظل أنا نفسي. أما الخواص غير ذات القيمة فهي تتعلق بالشكل والحالة. من هنا اعتداء الذئاب على خان الجيران الأشقاء لم يغير مضمون الحمير في الحارة أو في البلد. ظل مضموننا سليما.. ما تغير هو الشكل والكم وهذا نتجاوزه بزيادة جهودنا المشتركة مع جماهيرنا الأتانية. قتل الذئاب 23 حمارا، الله لا يعطيهم عافية، ولكن، وهذا المهم والجوهري.. ولد في الخان نفسه وفي نفس ليلة الاعتداء الإجرامي الغاشم، أكثر من 29 حمارا صغيرا جميلا يفرح قلوبنا جميعا.. لذا نحن لم ننهزم. بل انتصرنا على الذئاب، لأن القيمة الأساسية لم تتغير ولم تسقط. بل ازدادت. وهذا نصر عظيم !!
وقام نهيق كبير عاصف تأييدا لهذا الموقف السياسي القومي الجريء.
هذه الفلسفة المستحدثة في القمة الحمارية الطارئة أرضت جميع الحمير.. لدرجة ان عيونهم لم تعد تبصبص شمالا ويمينا. فقد وجد الحمار الفيلسوف الكلمات الدقيقة للتعبير عن الموقف السياسي الطارئ وإيجاد التعابير التي تلائم الموقف الحميري المسؤول. ومن لم يفهم صمت خوفا من فضيحة جهالته وقصر نظره !!
وأعلن الحمير أنهم مساهمة في تعميق هزيمة الذئاب سيبدأون بإعادة بناء ما تهدم من الخان..
وتساءل حمار تبدو عليه الوقاحة والجرأة، عرف نفسه كمراسل لإحدى الفضائيات:
-
وإذا هوجم الخان مرة أخرى.. ما هي خطط المستقبل أيها السادة؟
-
سنعيد البناء مرات حتى تفهم الذئاب أننا لن نتخلى عن الأشقاء.. لأن النصر يجر النصر.
-
ولكن انتم سالمين بأجسادكم، لا تتعرضون للتمزيق بأنياب المعتدين، وعظامكم لا يكسر مثل عظامهم، وانتم لا تتعرضون لأي خطر في خاناتكم؟
-
وهل تظن يا مراسل أن الانتصار يتحقق بدون تضحية؟ وإذا تعرضنا للخطر من سيعقد حسب رأيك مؤتمر القمة القادم؟ هل نستورد حميرا أوروبية أو صينية أو هندية لتعقد المؤتمرات نيابة عنا؟
-
وهل التضحية هي نصيب خان الأشقاء فقط؟
-
الله أكبر.. تستهتر بالشهادة أيها الزنديق؟.. هذا كفر.. هذه عمالة للذئاب..
صرخ الحمير صرخة واحدة. ولكن الحمار المراسل أصر متشجعا من تأييد الحمير المنكوبة:
-
ما رأيكم أن تستبدلوا مكانكم بمكانهم لتعاركوا انتم الذئاب وتفخرون بالنصر القادم؟ ألستم أولي الأمر الأقوياء والشرسين ذوي الحوافر القاتلة؟
-
وقاحة.. خيانة قومية..
صرخ المؤتمرون الحمير. ولكن الحمار الأبيض انتظر حتى هدأ غضب المؤتمرين. وقف متأملا جرأة المراسل مفكرا، ترى لو رفسة بحافريه كيف ستصير حاله؟ وقال:
-
سيدي المراسل.. قلوبنا تبكي على أخواننا الحمير النافقين.. فلماذا هذه الأسئلة الاستفزازية التي تخدم أعداء الأمة..؟ اجتمعنا لنتخذ قرارات حاسمة، مثل هذه التضحية لن تجدوها في خانات حمير الغرب الفاسدة. لذا نحن لا نتشبه بهم. ألا تعلم أيها المراسل أن للشهداء جنان لا يدخلها إلا معشر الصالحين؟ أني أدعوك لنشر هذا الموقف وضمان آخرتك آنت أيضا..
-
يا سيدي أنت تتحدث من الصبح ولم نفهم ألا آن موت الحمير الأشقاء انتصارات.. ولكن الحمير المنكوبة تقول إنها تريد الحياة وأن لا يتكرر غزو خانهم وقهرهم وذبحهم من جديد، فهل هذا مستحيل؟
فغضب حمار من المؤتمرين ونهق:
-
هذا استهتار بالنصر التاريخي.. هذه إهانة للنافقين الشجعان.. هذا استهتار بانتصاراتنا القادمة..
وقام نهيق عظيم:
-
لا تستهتر بالانتصار.. يجب طردك من الخان.. اذهب لخان أوروبي يا ملعون.. اسحبوا ترخيصه الصحفي هاه المغرور.. إنه يعمل لصالح العدو..
علت الأصوات تشجيعا لهذا الموقف الثوري. واستنكارا لأسئلة المراسل الصحفية الاستفزازية.
وانتهى مؤتمر القمة بقرارات حاسمة.. وعلى رأسها قرار لا يقبل التأخير.. استنكار وشجب قناة الفضائية غير الملتزمة بقضايا النصر ومراسلها الوقح، وسحب ترخيص عمله في وطن الأبطال.. وإدانة وشجب العدوان الذئبي، والاستعداد لاستقبال أتان الخان المنتصر في ضيافة خانات الحمير المنتشرة في الوطن.. وبذلك يستفيد الجميع ويكرس الحمير الأشقاء طاقات يومهم ونهارهم في إنشاء جيل جديد يسير على الدرب البطولي الذي شقه الآباء والأجداد النافقين.
وكلف الحمار الأبيض بصياغة نشيد قومي يعبر عن المرحلة الجديدة من التضامن والتآخي بين خانات الحمير!!
وانتهى المؤتمر بعاصفة النهيق الحماسي...

سيد مجدلاوي – لاجئ من مجدل غزة، ينتظر البشارة التي لا تأتي !