تقرير من المغرب

بحثا عن الخلاص: ملحمة فنية يلعب فيها الإنسان دور البطل «دون كيشوت»

لوحات"مكوار".. شلال ألوان ينهمر بسحر التجريد على ضفاف الحلم

المصطفى الصوفي

يقيم الفنان المغربي محمد مكوار حاليا والى غاية الثامن من شهر يوليوز المقبل، برواق مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، بالرباط، معرضا تشكيليا يضم العشرات من اللوحات الجميلة، التي استهوت الجمهور الغفير الذي حضر افتتاح المعرض الاثنين الماضي.

 وقال الفنان مكوار في تصريح خاص، أن لوحات معرضه الذي يقام تحت شعار"انهمار مبهر"، تعكس بكل وضوح تفاصيل صراع مرير مع الذات، إنه صراع الخير والشر، الذي يبقى حتميا في محاولة،  من الذات الإنسانية احتواء كل قبيح، من أجل رسم معالم جميلة في الحياة، بدل الانغماس في يم الشر وكل ما هو سلبي.

ولفت إلى أن اللوحة التشكيلية في حضرته، تحتفي بهذه التفاصيل الفنية التي ترقصها الألوان بطريقة درامية حينا، وأخرى كوميدية، وبالتالي تنعكس على اللوحة إشراقات مضيئة تصنع من الفن حلما جميلا.

وأكد أن اللوحات التي أبدعها في أزمنة مختلفة، تحاول أن تقدم للمتلقي جانبا مهما من أحلامه ومشاعره، وحضوره الشخصي في كل حركة ريشة، ولون، مما يجعل من تلك الأعمال تفيض حميمية وشاعرية ورقة، مع اختلاف كبير في القضايا التي تعالجها أو المواضيع التي تطرحها، وان كانت تلتقي كلها حول، ترسيم معالم التحدي في قالب فلسفي مليء بالكثير من المشاعر الجياشة.

وقال أيضا إن لوحاته تعكس قيمة التحدي للأنا والنرجسية باللون والريشة، وذلك بهدف الوصول إلى جمالية الروح الإنسانية وصفائها، موضحا الفن التشكيلي يمكن أن يلعب هذا الدور، كما يراهن من خلال معرضه، على أن يكون المتلقي والجمهور داخل اللوحة لا خارجها وقريب منها، بمعنى أن يستشعر نبضها وعالمها بحسه، وبتلقائيته، وهو ما يجعل من الفنون التشكيلية في نظره إحساس بالعالم قبل كل شيء.

وكشف مكوار بالمناسبة، عن أن العديد من لوحاته استلهمها من نصوص شعرية أو أعمال إبداعية أو أطياف مجتمعية، موضحا أنه استلهم من شعر أحمد مطر إحدى لوحاته التي تمجد الإنسان في العمق وتدعو إلى الخير، وترفع قيمته إلى سماء الحلم، ما يجعل اللوحة التشكيلية في تقابل كبير مع القصيدة التشكيلية بأسلوبها ورؤيتها ولغتها.

وشدد على أن الإبداع التشكيلي في تجربته الفنية عامة، ومن خلال هذا المعرض يحتفي في العمق بكل ما هو صوفي ونقي، وبكل ما له علاقة بالتجليات الفلسفية الطاهرة، والمجتمع، وصراع الإنسان مع الحياة.

إن معرضه من هذا المنطلق عالم خاص صعب المراس، وله إشارات ورموز مركبة، لأن تلك الإيقونات التي تتوحد في أعمال مكوار، كينونات دفينة تتغير من وقت إلى آخر دون القدرة على إدراك عيوبها أو تدارك لحظة ضعفها.

في لوحات مكوار صراع أبدي للذات في مواجهة العالم، ليكون الإبداع لديه نوعا من الطوفان اللامع في أعماق الحياة السحيقة، وفي بحر الألوان التي تتلون حسب الفواصل ونبض القلب وارتعاشة الروح، غنه عالم ساحر من الألوان، وملحمة فنية يلعب فيها الإنسان بملامح غير مرئية دور البطل" دون كيشوت" بحثا عن الخلاص، وحياة أروع وأبهى، في عالم لا يعترف إلا بالسواد والعتمة والصراع بين الخير والشر والموت والحياة، والحلم واللاحلم.

انه الفنان مكوار الذي يستشف فيه المتأمل وداعة توحي بالهدوء الذي يسبق عواصف الريشة بكل ألوان الطيف، ووعيا صوفيا ورؤيا، لكن أعماله تلتقي بالجمهور في لحظات الغليان حيث اللوحة ميدان صراع، وعيون نسرية تترصد صوت الشلال الذي ينبع من عمق المسحة الفنية" المكوارية" التي صنعت لنفسها عالما سرمديا، حيث العلامات التي تختلف ألوانها وأشكالها تفيض بسحر الرغبة والإرادة وعنفوان التحدي، وحيث اللوحة سحر حياة بطوفان المحبة.

هكذا تتحد معالم معرض الفنان محمد مكوار ، حيث الألوان تنفجر بصراخ وكلمات الإعجاز التي لا تتصيدها إلا عيون فنان وناقد محترف قادر على استمالة المتلقي إلى عالم يتنفس لون الحياة.

هكذا يرسم الفنان عناقا حارا للحلم في أفق المعنى، فتنبجس بلاغة الغموض والإبهام، وهو ما يعطي لتلك اللوحات سحر التشكيل ورقة الفنون ورمزية الشعر وثنائية اللون في الحياة والإبداع والمجتمع أيضا.

إن الرمز يأخذ في اعمال مكوار طريقه السليم، فمن لغة الواقعية والانطباعية إلى التشخيص الرمزي، والتجريد، كترسيخ جميل للتصدي لكل ما هو قبيح، وتمجيد لقيم الحب والتسامح ونبذ العنف والتطرف.

إن أعمال مكوار مرايا صافية تعكس بكل السحر الفني الجميل عالما آسرا، له ألوان زاهية وكله فيض أحلام وحس شاعري أنيق، ليتحول الإبداع التشكيلي، عند مكوار في هذا السياق، تشخيص رمزي وتجريد مشفر، له الكثير من الشاعرية والجمالية والدفء الفني الجميل.

من هنا يمكن اعتبار محمد مكوار واحدا من الفنانين المتألقين الذي رفع مشعل السحر الفني، ليرسم لوحات جميلة، يمزج فيها بين الصوفي والشعري، بتقنية عالية، وبين الفلسفي والشاعري والأدبي والفني الجميل، هي في العمق قصائد شعرية مشبعة بأريج الحلم، وفكر الفلسفة، وتجليات التصوف في أبهى شطحاته.