هذه الجدراية لروائية وشاعرة مغربية مسكونة بقيم ربيع الثورات العربية، وهي جدارية تعيدنا لألق الشعر المسكون بقضاياه الكبرى، كما تشكل مسارات هذا الراهن اليوم في ظل ما يعيشه من حراك ونشدان للانعتاق والتحرر. وفي هذا الأفق تكتب الشاعرة جزءا من سيرة هذا الوضع وترسم بعضا من تفاصيله.

جدارية: لمن يرقص الغجر؟

زوليخا موساوي الأخضري

إلى شهداء وشهيدات الربيع العربي

 

قالت الشاعرة

ما للنهار يؤجل زهوه

على هذي الربوع

ما لليل المحموم

يجرد سيوفه

رماحه و الدروع

ما للضباب يخدع

ما تبقى للطمأنينة من ورد و شعاع 

ما للورد يفترسه الشوك

فتنكشف السنين محملة بالألم

ضاجة  بالدموع

ما للرثاء يتلو آياته

يسبّح لزمن يرقص

على إيقاع المهازل

زمن الأنفاق المترامية

تتدفق فيها العتمة نشوى

تترنح كشراع

قلنا

نحن شعب يدمن الهزائم

لنا في كل خطو خسارات

و مآتم

لنا سيرة الأوجاع في الأرحام

لنا في العتمة

أرصدة من أوهام

لنا الإستكانة الكامنة في الامتثال

لنا عزاء الآتي في الأمثال

لنا في كل لحظة برهان للتشظي

لنا أزمنة الإنشطار

باردة

ذابلة

متاهات اللاجدوى

تتناسل

و نحن نتعثر

نتكاثر

نتعدد

نتردد

ننظر و لا نرى

نعبئ الأيام  بطقوس

الانتظار

لنا البركة في السبحة و الجلباب

لنا خطايا لا يكشف عنها حجاب

لنا أنا تتدثر في عباءة الإقصاء

و لنا في كل جديد

بدعة

أهوال

خصوم

و أعداء

ألا يدعو كل هذا للرثاء؟

 

  

 

 

نحن الغجر

على الطرقات

منذ مئات السنين

و نيف

لنا الصحاري

لنا القفار

نفر من جلودنا

ومن أسمائنا نفر

من ذاكرتنا التي تجتر ذكرياتها

نرحل

و نرحل

و نرحل

نكتشف بمرارة

أن للخراب صدى

في عيوننا

و  للذكربات مرايا

و نبقى فينا

كالفطر نتكاثر

و نتناثر

كالشمس كل يوم نتجدد

نحب

نكره

نسخط

نتوعد

نتعبد

نقابل الغياب

بما يكفي من وجوم

نرثي السماء الصريعة

التي تنتفض سكونا

و نهب العبث

شغب النجوم

كيف لفوضى العالم أن تمشي على غير هدى؟

تنتظر الورود ميلاد الفصول في رقصة خاشعة و الطين يزحف مزمجرا يخترق الموانئ و يغرق الجسور التي نشيّدها من أضلاعنا.

وحدها القصيدة  تترقرق في بؤبؤ السؤال تغدّ السير، تتعقب الضوء، تحتفي بالجراح، تكنس اللون الأسود الذي يدثرنا منذ عقود و فصول الخسران و مواسم العزاء، تلملم الهاوية كي يعانق العشب الأخضر الخطى المدماة للحلم الهارب.

ياه! يا للشروخ  القاسية، الغليظة القلب التي تتشعب بمكر كمسالك زئبقية على وجه شيخ يهمس للفجر.  أهو التاريخ  يشرئب إلى الخلاص من العتمة؟

بنزق تتكاثر الظلال خلف النوافذ.

       هائجة في رذاذ الضباب الكثيف فتهجع الخريطة من الماء إلى الماء يا سيد الأبجدية الذي يغمرنا حنينه.

تهجع الخريطة كمارد على وشك الإنطلاق من قمقمه

يتلوى، يصرخ، يضطرب. لكن سليمان ذلك الأبله اللاحكيم يرميه بفتات غزواته الماجنة. يتكاثر بغزارة. يسدّ بطشه كل المنافذ .

لا الشمس نطال

و لا الأرض تكفينا

نذهب إلى أبعد نقطة فينا

و نستشهد

لعل هذي الأرض تشهد

على ليلهم السرمدي

و على عشقنا المتجدد

 

نحن الغجر

رابضون هنا

نستجدي حبات مطر

نملك الكثير من الصبر

نملك حناجر

قبضات

و حجر

العدو في ناصية الطرقات

يشحذ مخالبه

يتربص

و ينتظر

غموض يشرد في ساحاتنا

يغطي معالم الأمل

و أوراق الشجر

و الضباع المتكالبة

تتباهى أسودا

تنهش أجساد أطفالنا

تدوس على عطر غدنا

حمزة يمتد شجنا

فينا

من جيل إلى جيل

يمضي ساحبا وراءه

ضحكة بريئة

يخبئ في حجر أمه ألعابه

قطعة طباشير

أغنية و وترا

غفروش الألفية الثالثة

غير مبال بالخطر

يتقافز بين رصاصات طائشة

و نعال بلطجية

ودّعناك بالدمع و غصة في الحناجر

يا ضحية بلاد تسكنها الهلوسة

و الخناجر

أيها المسافر الوحيد بلا متاع

إلى المحطة الأخيرة

كم من قلب مجروح و ملتاع

سيتمرّس على الصبر في غيابك

أيها الراحل من الليل و الموت

 نحو الليل و الصمت

يملأ الخوف البياض الممتد

بين السماء و السكينة

نور الأمل يحجبه نصل السكاكين

لا نملك غير اجتياز هذا النفق المرعب

محاذرين الطيش قدر المستطاع

يجرفنا موتك الفاجع

إلى هوة اللامعقول

للفصول الكسيحة

صخب نزق

يسيّج الفرح الموءود

يشرع الأفئدة المدماة

على الفقدان

لماذا تزداد مدننا جنونا

لماذا تحدق في مراياها المشتعلة

وحلا و طينا

ثلاثة عشر ربيعا

ثلاثة عشر حضنا دافئا

و خوفا عليك

من المهالك الصغيرة

نزلة برد

ارتفاع حمى

الحصبة

حجارة طائشة

لكن الموت  يتربص

في ثوب ذئب

شراسة من دون ضغينة

موت غادر

مجاني

شنيع

مخادع

قبيح

مريع

شرس

فظيع

و عبثي

حمزة يجامل الوقت

بالرتوش الناعمة

و حلم بريء

يتهيأ لاجتياز الربيع

بكامل براءته

لا يخدش ظله نهار هارب

و لا ليل عليل

على شرفته يحط الحمام

يصدح عشقه رقراقا

فيتفتح العالم

سكينة و سلاما

ربيع أخير

في بلد يختصر الصباحات

في الكوابيس

من شهيد إلى شهيد

نصبوا الجنائز

و المقصلة

يا شاهدا على نهاية ليل

كانت ترتع فيه الذئاب

تطلّع رشيقا عاليا

نحو فجر

يتوارى خلف الانهيار

نم بسلام

أيها الطفل الشمس

لا قافية كافية

لتركض وراء دمك

أنت البرعم الأخير

قد سقط هناك

على ناصية الجرح فينا

كيف يكون غدنا بلا أزهار

كيف تكون حدائق فجرنا

بلا أطيار

كيف نكون جديرين بغد أشرعناه

على الموت و الدمار

 

حمزة

يسخر من ديكتاتور

يلهو بالقنابل

بأشلاء ضحاياه

كي لا يشعر بالضجر

يدكّ الدكتاتور أسوار المدينة

يتوعّدها

حيّا حيّا

و ميتا ميتا

بالبارود و بالموت

بدم حتى الركب

يرتدي نرجسيته

يعدّل أقنعته التي تساقطت

كأوراق توت

عرّت

نيرون في مراياه

عرّت

القبح و الجشع

يربّت على نياشينه

على أرصدته

و يضيف صفحة أخرى

إلى صحراء ليل

غطّى  خريطة من الوجع

تربّع على عرش من الخيبات

مزهوّ بجهله

لا يقرأ

لا يفهم

و لا يسمع

مطبقة سماؤه

على القلوب

معطلة عجلة التاريخ

بما يخترعه من عداوات خسيسة

و من أوهام حروب

ينسف من يعترض

من لم يتّعظ

من يقاوم

من لا يساوم

من النساء

من الرجال

و حتى من الأطفال

من يحلم

من يرفض أن يخدم

تحت النعال

يدبّر لهم المكائد

أكاذيب يصدقها

يصنع منها تعويذات

تذاع على مدار الساعات

 

يا شعبي

لا تهتم

لا تغتم

نحن الذي هو أنا

نحرسك

من نفسك

نم قرير العين

ماركس لن يتسلل

في جنح الليل إلى أحلامك

هو يقبع في   الحفر والمطامر

لأنه متآمر

و الله لن يزورك في صورة قنبلة

لأني جمعت شظاياه

ذلك المشاغب المقامر

نم قرير العين

لأني هنا

 أنا النحن

نحرس نومك من غفروش

و من الشاطر

حمزة ذاك لم يمت بخنجر غادر

حمزة لم يكن كي يموت

لم آذن له بذلك

لذلك يا شعبي

نم  بضع قرون أخرى مطمئنا

لا تشغل بالك

أنا حريص

  على أن أحرسني منكم

بالرقص على جماجمكم

أنا النحن

أخاطبكم

يا أنتم

 إن لم أرض عنكم

سأبدّلكم

سأختار لي شعبا آخر

شعبا من عبثي لا يضجر

يصلّي لي ليلا

صبحا

و في السحر

أنا الذي تسجد له الجبال

الشمس و القمر

لأني  أنا النحن

نحن غير سواي

من منكم عن ظهر قلب  

 لا يحفظ هذا الأمر

أطرده خارج جنتي

أيها الشعب الفوق أرضه

غريب

رضيتني لك رئيسا

لا تنس

لا تذهب أبعد من خيالك

محوت من قاموسي الربيع

استنسخت لك سيرتي

احفظها

 كي تتحول إلى حمل وديع

كل المرايا لا تحيل إلا إليّ

أنا السديم

شتاء طويل

أطبخ لك ما أشاء من الدسائس

أطعمك كل أنواع الوساوس

أحول في عينيك  الربيع

إلى صحراء التتار

وإن نهضت من رمادك

أحرقك للمرة الألف

بالحديد و النار

عبثي عنفوان هذا الربيع

كيف ينسف وجودي

من أين تأتي

أيها الشعب  المارق

بهذا العناد الخارق

لم لا تنام على الحكايا التي نسجت لك

 و الخوارق

ألم تقتلك قنابلي     

و ما هيأت لك من محارق؟

كيف تهزأ بي وأنا جاث على ركبتي

وسط الغبار

أنا الواحد

الأوحد

أنا القهار

و جهي الآن في الجدار

و أنت تبصق على أقنعتي

وهجك يضيء كل درب و كل دار

كيف أنجو من دمك الذي يسكن كوابيسي

أين أخبئ عن الياسمين أسراري

أين الفرار؟

قل لي إلى أين الفرار؟

 

قالت الشاعرة

لأني ما امتلكت أرضا و لا سماء

سأطلق صرختي في هذه المدينة الصماء

ضد البطش الذي يسكب أحلام الأطفال أشلاء

في كهوف تتوالد قناصة للأمل الطلقاء

أرى الرعود تقتلع أفنان الشجر

تشق آفاق الأقاصي

تجتزّ الضجر

أعلن صدق النبوءة

جلجلة العشق في الأحداق

عزف على جراح الروح

يتفتح  في الربيع زنابق

يمزق الستار عن انفجار الحجر

في أصابع ناعمة من نار

أيتها الصرخات المحاصرة في دجج الليل

انتصبي ضارية

شاهقة

ساحقة

كوني كما رأى امرؤ القيس حوافر الخيل

كوني بارقة

كوني صاعقة

كوني عناق الأرض و السماء

كوني جنونا لا يروّض

كوني ألف قاموس للرفض

فجّري عناقيد الغضب

بين أضلع ملايين العرب

الثكالى

الأرامل

و الأيتام

حقائق مروعة

ليست فقط على شاشات القنوات صور

كلكم شهود

كلكم عالمون

كلكم خابرون

الخراب الذي جاوزنا

كالمدّ يعمّ الفلا

كلكم فرائس

تقيمون على خط الاحتمال

بين حرب ماضية

و حرب أتية

كلكم شهود

كلكم عارفون

كلكم حاضرون

حقائق مروعة

ليست فقط

على شاشات القنوات

صور

ومن غاب منكم

يبلّغه من حضر   

 

ملحوظة: غفروش تينارديي شخصية طفل في رائعة فيكتور هيغو البؤساء. يموت برصاصة طائشة أثناء الثورة الفرنسية