الفائدة المستدامة من المعونات الدولية المثقلة بالشروط

 قال الدكتور عبدالواحد خالد  الحميد إن وقف المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر سوف تكون له آثار سلبية على مصر في المدى القريب وذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور بعد الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير في العام الماضي.. لكن الآثار طويلة المدى ستكون إيجابية .

وأكد المفكر الاقتصادي  السعودي الذي شغل أستاذ الاقتصاد بجامعة البترول والمعادن بالظهران أن هناك شواهد كثيرة في تاريخ التنمية الاقتصادية للعديد من الدول التي استفادت من المعونات الدولية، لكن التاريخ يطفح أيضاً بالشواهد التي تدل على أن هذه المعونات قد أفسدت البيئة الاقتصادية ولم تحقق فائدة مستدامة بل كرست روح الاعتمادية على الغير ولم يستفد منها سوى جيوب بعض المتنفذين المحليين الذين أصبحوا يمثلون طبقة اقتصادية واجتماعية جديدة ذات ارتباط بالكيانات التجارية الخارجية الكبرى، بالإضافة إلى إشعال النزعة الاستهلاكية وتدمير اخلاقيات العمل المنتج.

وقال في مقال له بعنوان " المعونة.. وأمراض الاقتصاد   " بزاويته على وجه التحديد  بجريدة الجزيرة  يوم الاثنين  20-02-2012 م   إن الإرادة السياسية كانت غائبة في الداخل ولم يكن مانحو المعونة الأجنبية أشد حرصاً من أصحاب القرار المحلي بسبب فساد دوائر اتخاذ القرار في الداخل وتحويل هذه المعونة من القنوات التي يمكن أن تحقق الفائدة المستدامة للاقتصاد إلى قنوات ذات صبغة ريعية محدودة الفائدة.

 وفيما يلي نص المقال: "في أواخر عقد الثمانينيات الميلادية صدر للباحثة الاقتصادية المصرية دينا جلال كتاب بعنوان «المعونة الأمريكية: لمن.. مصر أم أمريكا؟» درستْ فيه الآثار الاقتصادية للمعونة الأمريكية غير العسكرية التي تلقتها مصر من الولايات المتحدة خلال عقد السبعينيات وحتى بداية عقد الثمانينيات الميلادية، وانتهت الباحثة إلى أن الاستفادة من تلك المعونة كانت محدودة وذلك بسبب القيود المفروضة من الولايات المتحدة وبعض القيود والمحددات الأخرى. وأذكر أنني كتبت عن هذه الدراسة المهمة التي صدرت ضمن سلسلة كتاب الأهرام الاقتصادي، واستشهدت بها على محدودية الفائدة المستدامة من المعونات الدولية المثقلة بالشروط، وخصوصاً الشروط السياسية.

وخلال الأيام الماضية ارتفع الجدل مجدداً حول المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر بعد تهديد بعض السياسيين الأمريكيين بقطعها في أعقاب مداهمة السلطات المصرية لبعض منظمات المجتمع المدني في مصر ومنع تسعة عشر مواطناً أمريكياً من السفر للتحقيق معهم بشأن التمويل غير القانوني لبعض منظمات المجتمع المدني.

كان ضمن ردود الأفعال من الجانب المصري تهديد بعض الأحزاب الكبرى بإعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد. وكان رد الفعل من جانب الأزهر هو الدعوة إلى إنشاء صندوق لدعم الاقتصاد المصري. ويبدو أن دعوة الأزهر كانت مؤثرة، فكان من تداعياتها أن أصدر الأزهر بياناً أكد فيه أن هذه الدعوة لإنشاء الصندوق ليست موجهة ضد المعونة الأمريكية وإنما بهدف «دعم الاقتصاد المصري بأيدٍ مصرية خالصة» وذلك في محاولة لاحتواء الخلاف والجدل حول الموضوع.

أعتقد أن وقف المعونة الاقتصادية الأمريكية سوف تكون له آثار سلبية على مصر في المدى القريب وذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور بعد الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير في العام الماضي.. لكن الآثار طويلة المدى ستكون إيجابية.

هناك شواهد كثيرة في تاريخ التنمية الاقتصادية للعديد من الدول التي استفادت من المعونات الدولية، لكن التاريخ يطفح أيضاً بالشواهد التي تدل على أن هذه المعونات قد أفسدت البيئة الاقتصادية ولم تحقق فائدة مستدامة بل كرست روح الاعتمادية على الغير ولم يستفد منها سوى جيوب بعض المتنفذين المحليين الذين أصبحوا يمثلون طبقة اقتصادية واجتماعية جديدة ذات ارتباط بالكيانات التجارية الخارجية الكبرى، بالإضافة إلى إشعال النزعة الاستهلاكية وتدمير اخلاقيات العمل المنتج.

ومن المؤكد أن النتائج الكارثية لبعض أنواع المعونة الاقتصادية الأجنبية كانت بسبب فساد دوائر اتخاذ القرار في الداخل وتحويل هذه المعونة من القنوات التي يمكن أن تحقق الفائدة المستدامة للاقتصاد إلى قنوات ذات صبغة ريعية محدودة الفائدة.. بمعنى أن هذه المعونة كان من الممكن توظيفها بما يعود على الاقتصاد القومي بأقصى فائدة لكن ذلك لم يحدث لأن الإرادة السياسية كانت غائبة في الداخل ولم يكن مانحو المعونة الأجنبية أشد حرصاً من أصحاب القرار المحلي.

هل بإمكان صندوق الأزهر أن يعوض المعونة الاقتصادية الأمريكية في حال توقفها؟ من المشكوك فيه - في ظل الأوضاع الحالية الصعبة - أن يتحقق ذلك.. ولكن مجرد التفكير بالاستغناء عن المعونة الأمريكية ودعم الاقتصاد المصري بأيدٍ مصرية، حسب بيان الأزهر، هو تفكير إيجابي. فالمعونة الأجنبية ليست هي «الدواء» الذي سيعالج أمراض الاقتصاد المصري وإنما يمكن أن تكون بمثابة «مُسَكِّن» مؤقت يساعد في تجاوز الصعوبات الآنيَّة المؤقتة.

مصر تحتوي على خيرات وموارد وفيرة.. وعلاج أمراض الاقتصاد المصري تبدأ من مصر وتنتهي في مصر وليس الخارج.. ولا شك أن أهل مصر أدرى بشعابها.  " .