في محاولة لاستقصاء الوضع في "كوباني" خصوصا في علاقة بمواقع التواصل الاجتماعي المشهورة، يقربنا كاتب المقال من هذا الوضع "المتشابك" في المنطقة في محاولة لفهم الوضع السياسي في المنطقة وخلفيات الحضور الدولي والاهتمام التركي حتى أصبحت كوباني هي المحددة لمسار المستقبل السياسي للمنطقة بكاملها.

كوباني والفيس بوك

مأمون شحادة

“كوباني وما أدراك ما عين العرب”، عبارة استحلت كل مداخل ومخارج جمهورية فيسبوك الشعبية. وعلى الرغم من الفروقات “السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية” الكبيرة بين تركيا وغيرها، إلا أن الحدود السورية طرحت أسئلة “متفسبكة” وسريالية تبحث عن الرابط والتشابه.

أسئلة مهدرجة ومدرجة على حائط “التفسبك” الاجتماعي، أولها، هل من المتوقع أن تكون المحطة القادمة بعد كييف هي إسطنبول؟ وثانيها، هل التشابه الوحيد بين أوكرانيا وتركيا هو التنظيم الموازي الذي يتغلغل داخل المؤسساتية؟ وآخرها، ألا تعتبر الأردوغانية انموذجاً داخلياً ناجحاً استطاع تحويل الأوضاع الحياتية التركية الى الأفضل، وأن الاضطرابات الداخلية تضعفه؟

المستشار والباحث القانوني “أنور صوالحة” استطاع أن يرسم على حائط الجمهورية نظرة أوروبية تعكس رؤية المصالح وبناء الجسور، مؤكداً أن الأحداث الحاصلة لن تغيّر معالم الحالة التركية، لأن “أوروبا بحاجة ماسة الى تركيا “سياسياً وعسكرياً”، بسبب موقعها على المتوسط، ولما تملكه من قوة اقتصادية هائلة وعسكرية ضاربة، كما أن لروسيا علاقات جيدة بتركيا”.

ساعة التسارع والتصارع تلاحق كل أصدقاء الجمهورية وكأن “كوباني” أصبحت بوصلة تحدد مسار الأحوال التركية، وإذ بالأستاذ “عبدالله شكارنة” يقاطع عقارب الدقائق قائلاً: “الم تكن تركيا هدفاً لأوروبا عندما وصفت بـ “الرجل المريض” وكان الأعراب كما هم اليوم، والتاريخ يعيد نفسه”.

وفي لحظات سريعة تدخل “أبومحمد صبيح” عبر بوابات “التشات” الخارجية معلقاً: “أوروبا تريد توريط ما تبقى من الدول التي تدعي الإسلام، لتكون رديفاً لمحاربة المد الإسلامي، بعيداً عن داعش التي تعتبر صنيعة الدول الغربية، وتركيا أعلم بما يجري أكثر ممن يدعون الأسلمة، فالحكومة التركية تعلم ما لا يعلمه جميع من تحالفوا مع الغرب لمحاربة الإسلام، ولهذا لن تكون طرفاً في النزاع الحاصل”.

الدكتور “عزمي أبوسمرة”، كعادته يحب شرب القهوة في الساحة الرئيسية للجمهورية، وبينما هو يرتشف قهوته سأله نائب رئيس “التشات” عن فحوى الأسئلة المطروحة، أجابه الدكتور: “الإسلام في تركيا يتصف بالديمقراطية وهو النمط الذي يُرضي الغرب، وبالتالي فإن تركيا تنعم بالمباركة الغربية، وعليه لن تكون هناك محطّات مقبلة على ساحتها”.

السلطة الرابعة دائماً تحب وتعشق الطرق الاستقصائية لتحليل الأمور بصورة مختلفة عن الآخرين، الصحافي والإعلامي جهاد أبوالعيس رأى الأمور بمنظور استقراري وثابت، جازماً ان الحكم مستقر “اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً” دون خضات كبرى قوية تذكر على مدى 12 عاماً يقابلها تشرذم وضعف لدى الخصم، مستدلاً على أن صناديق الاقتراع جددت الثقة برسائل موضوعية تعطي إشارات بأن اسطنبول ليست كييف.

ساحة الجمهورية “المتفسبكة” امتلأت بحشودات كبيرة للاطلاع على دلالات طرح الأسئلة ومعرفة الأجوبة المتراوحة ما بين مد حزبي وجزر سياسي، وإذ بالناشط السياسي ماهر نعمان صلاح يخرج من بين الحشود مخاطباً بسؤال ضمني يحمل بين سطوره دلالات الإجابة: هل من الممكن أن تعمل أميركا على إضعاف تركيا وتتخلى عن النموذج الذي يجمع بين الإسلام والعلمانية؟ ألا تعرفون أن أوكرانيا عبارة عن ساحة للصراع بين الكبار (أميركا وأوروبا وروسيا) وكل واحد منهم يحاول الاستئثار بـ “الجمل وما حمل”، والقوى الداخلية ليست اكثر من وقود لهذا الصراع، موضحاً ان المسألة ليست المحافظة على النموذج الأردوغاني، فهو لا يستند الى قوة ذاتية، وأن "كوباني" والأحداث الدائرة في تركيا مفتعلة لحملها على الدخول ضمن الحرب الأميركية، ومن المعلوم لكل متابع أن "كوباني" ليست ذات أهمية سياسية أو استراتيجية.

التوقعات والتحليلات كثيرة، ولكن ستظل "كوباني" من الألغاز المهمة والخطيرة وفقاً لما أورده العديد من زوار وأصدقاء جمهورية فيسبوك الشعبية، وستبقى نقطة مفصلية تتحدث عنها الأجيال القادمة.

 

كاتب صحفي ومحلل سياسي من فلسطين

سفير النوايا الحسنة للإعلام في منظمة الاتحاد البرلماني الدولي متعدد الأغراض ببروكسل