يخصنا الشاعر السوري بهذه القصيدة المسكونة بأفق قصيدة النثر ورهاناتها، وأيضا تقترب من موضوعة القصيدة الآثيرية في التقاطها تفاصيل اليومي ولكن بوجع وجودي، حيث يلملم الشاعر كينونته من وسط الخراب الذي يحيط به من كل الزوايا وفي استعارة المكان/ القرية التي تحيل على هويته الحية.

أولَدُ من شمسِ سرَّتِكْ

عـمر يوسف سليمان

ـ1ـ

فندقٌ فارغٌ في قرية

حزينٌ كفندقٍ فارغٍ في قرية

والنادلُ غافٍ منذ قرونْ

ادخليْ مثلَ موسيقا في المنامْ

لم يعد للجدران آذانٌ

بل ألسنة

 

عن قنينة النبيذ انفضي الغبارَ

واشربيْ العرسَ من فميْ

 

وأنتِ تنزعينَ الملاءات

دقِّقيْ في أصابعكِ الغارقةِ بدمعِ العنكبوتْ

 

لا أعرفُ عنوان الفندقْ

لكنك حين ترقصينَ

أعرفُ ظلَّ العطرِ على الغابة

وفي أضواءِ المدنِ البعيدةِ في عينيكِ

أعرفُ مهديْ

ـ2ـ

المهرِّج

آنَ للمرآةِ أن ترجعَ رملاً

يقولُ المهرِّجْ

 

يرى للبستانيِّ عيونَ اللهِ

فيعصِرُ كمشةَ غُبارٍ

ليفتِّشَ عنْ مَهْدِ المجرَّة

 

بنظَّارتِهِ يقطعُ شعاعاً

ويحرقُ عشبَ الحقيقة

 

يلتقطُ قمراً عابراً على الطاولة

فيراهُ شمساً

يرميهِ في الفنجانِ

ويحرِّكُ اللعبة

وراِءَ القناعِ الذيْ يُضحِكُ الأطفالَ

وجودُهُ ذرَّاتٌ تنشطرْ

الطريقُ وجهُ المهرِّجْ

 

ـ3ـ

رهان

في الخاصرةِ اليُسرى للمتوسط

سوفَ نكونُ سكارى حينَ يبدأ الرهانْ

مَن يصلُ أوَّلاً إلى صخرةٍ

تجلسُ كالجدَّةِ في أوَّلِ البحرْ؟

 

بينما نسبحُ لاهثينْ

سنشاهدُ هذه القنينة

التي صببناها للتوِّ فوقَ جروحنا

نصفُها الأعلى يتمايلُ

سروةً أضنَتْهَا سيَرُ النوارسِ والحصى

 

أمَّا الآنَ دعنا نُدخِلُ الورقةَ في القنينة

نسدُّها بالزَّمَنِ

ونُطعمها للأمواجْ

 

من هنا

من فخذِ (كورسيكا)

هل ترى عيونَ (اللاذقية)؟

أفكارُنا بنكُ غيمٍ

والوقتُ ريحْ

 

ـ4ـ

البارُ عندَ المنعطفْ

كلمةٌ عاريةٌ كجمرة

ذلك البارُ عندَ المنعطفْ

 

أغنيةٌ تتوهَّجُ في قلبٍ مُكبَّلْ

مُشرَّدٌ يدخِّنُ في نفقٍ

وتفَاهةٌ عظيمةٌ مثلَ الحياة

 

كفُّ حضارةٍ زالتْ

تلوِّحُ قائلةً للقادمِ:

سأعودُ حينَ لا يذكُرنيْ أحدْ

 

البارُ المرميُّ في بطنِ هذا الليلِ صباحْ

 

ـ5ـ

اليوم

اليومَ لا تبدو البلادُ بعيدة

في يدِ السَّماءِ الشمسُ كاميرا

ووجوهُ اليَقِظيْنَ تمرُّ

مثلَ شريطٍ سينمائي

اليومَ الأرضُ كونٌ

أصغرُ من رأسِ إبرةِ الصنوبَرْ

بطنُكِ المدهونُ بشهوةِ الماءِ

يعكسُ أجساماً فوقنا

هيَ طائراتٌ ملونةٌ تُسقطُ السكاكرَ

والبوالينَ

والفاكهة

برجُ الإيفيلَ ميكروفونْ

واللهُ مغنٍّ عالميّ

حولهُ أوركسترا عصافيرَ

وملائكةٌ سائحونْ

اليومَ لا يعنيْ المنفى أكثرَ من حبَّةِ رملٍ

في قرطِكِ المُبَلَّلْ

ثمَّةَ سحابةٌ خفيفةٌ تتمشَّى

هيَ ما نبشتُهُ طفلاً من وسادتيْ البيضاءْ

لا أحتاجَ إلى غوغلَ كيْ أرى قريتيْ

فرائحتُهَا محفورةٌ في أبنيةٍ خشبيَّةٍ هنا

شرِبَتْ حينَ كانتْ شجراً ذاتَ الضوءْ

اليومَ أولدُ من شمسِ سُرَّتكْ..

 

شاعر من سوريا