في أعقاب الانتخابات الاسرائيليّة، وفوز نتنياهو ببرنامجه المتطرف، يشدد الكاتب الفلسطيني أن التاريخ العربي يواجه مرحلة جديدة في إسرائيل، حيث غول الاستيطان بات هو المسيطر على شؤون دولة تنزاح بعنصريتها نحو "دولة اليهود".

انتصار نتنياهو: سيطرة دولة المستوطنين على دولة إسرائيل!

نبيل عودة

انتهت أغرب معركة انتخابات بتاريخ إسرائيل. انتخابات لم يكن لها مبرر إلا ضيق نتنياهو بشركائه لبيد وليفني، ورغبته بتعزيز المواقف التي يؤمن بها منذ نشأته.

تصريحات نتنياهو الانتخابية كشفت برنامجه السياسي. ليس حول إيران بالتحديد، بل من موضوع النزاع الفلسطيني إسرائيلي. قال بوضوح انه إذا انتخب لن تقوم دولة فلسطينية، أي بكلمات أخرى المفاوضات التي أجرتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية خلال حكم نتنياهو منذ ست  سنوات كانت ثرثرة وإضاعة للوقت وتضليل دولي.

أما خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان الذي أعلن فيه قبوله بمبدأ دولتين للشعبين هو أيضا ثرثرة لتجاوز الضغط الأمريكي في وقته، بعد انتخاب اوباما لرئاسة الولايات المتحدة وخطابه الشهير في جامعة القاهرة.

تصريحات نتنياهو شملت أيضا رفضه التخلي عن أي شبر أرض للفلسطينيين. أي احتلال بلا أي أفق للشعب الفلسطيني للتحرر وبناء دولة أو شبه دولة.

أيضا العرب في إسرائيل كانت لهم حصة غير صغيرة في الفكر العنصري الذي يتمسك به نتنياهو، حين غرد على صفحته الاجتماعية (الفيسبوك) عن قلقه لأن: "الناخبون العرب يتدفقون بأرقام كبيرة إلى صناديق الاقتراع، معبرا عن ذعره من أن حكم اليمين في خطر، مشيرا إلى أن اليسار الإسرائيلي ينقل الناخبين العرب إلى صناديق الاقتراع في حافلات!!"

صحيح ان ما يعرف باليسار والوسط في إسرائيل طرح قضايا اجتماعية ملحة يعاني منها كل المواطنين.

لكن التصويت لم يكن على تلك  القضايا. بل على رفض إقامة دولة فلسطينية ، رفض تقسيم القدس، رفض التنازل عن أي شبر أرض، رفض إيران نووية (مع ان الإعلام الدولي يعتبر إسرائيل سادس قوة نووية في العالم).

أين اختفت جماهير الهبة الاجتماعية التي نظمت في وقته أضخم مظاهرة احتجاجية على الواقع الاقتصادياجتماعي للمواطنين في إسرائيل؟

هل نسي المواطن البسيط الفقير أو المتوسط انه يعجز اليوم عن شراء منزل؟

هل نسي المواطن الإسرائيلي النقص الرهيب في الخدمات الصحية وخاصة وضع المستشفيات؟

هل نسي المواطن الإسرائيلي الغلاء الفاحش للمنتجات؟

هل نسي المواطن الإسرائيلي النواقص والتمييز في ميزانيات التعليم؟

هل نسي المواطن الإسرائيلي التسونامي الدولي المعادي لإسرائيل وبداية مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا ودول أخرى التي مصدرها الآن المناطق المحتلة وقد تتسع نتيجة نهجها السياسي المعادي لحل سلمي للقضية الفلسطينية؟

هل نسي المواطن ان الجامعات في دول عديدة، حتى في الولايات المتحدة بدأت حملة مقاطعة أكاديمية للجامعات الإسرائيلية؟

هل نسي المواطن الإسرائيلي ان الحليف الوحيد للعنجهية الاحتلالية الإسرائيلية والضامن لها دوليا، النظام الأمريكي، بات نتنياهو يقامر حتى بهذه الورقة؟

أقول بوضوح ان المواطن الإسرائيلي لم يحسم هذه المعركة. المعركة لم تكن بين المواطنين الذين شاركوا بالهبة الاجتماعية ونظموا أضخم مظاهرة في تاريخ إسرائيل، وبين اليمين الإسرائيلي المتطرف والفاشي الذي تلخص كل سياسته بدعم غير محدود للمستوطنات وميزانيات الحرب.

في اجتماع اليمين يوم الأحد قبل الانتخابات شارك 20 الف من مؤيدي اليمين. الصحافة الإسرائيلية كشفت ان الأكثرية المطلقة منهم هم من المستوطنين.

الموضوع الذي يجري تجاهله اليوم، ولا تطرحه الصحف، هو ان الذي انتصر ليس نتنياهو الشخص، بل نهج الاستيطان والاحتلال.

الانتصار كان لدولة الاستيطان على دولة إسرائيل. هذا الخطر الذي حذر منه بعض العقلاء أصبح حقيقة مجسمة. لا تقولوا دولة إسرائيل، بل دولة الاستيطان. هل تنجح دولة المستوطنين بتشكيل حكومة تتحكم بمصير مواطني إسرائيل؟

المستوطنون الفاشيون سيكونون في رأس سلطة نتنياهو إذا نجح بتشكيل الحكومة!!

يبقى أملا ضعيفا، ان لا ينجح نتنياهو بضم قائمة الوزير السابق موشيه كحلون، زعيم حزب "كولانو" للإتلاف الذي يعمل على تشكيله (10 أعضاء كنيست وعمليا هو بيضة القبان).

لا أتفاءل كثيرا. في النهاية الفكر القومي الفاشي هو فوق أي اعتبار عقلاني. نحن الآن في زمن جديد.. زمن زحف الاستيطان السياسي بعقليته العنصرية الفاشية على دولة إسرائيل. هل بالصدفة ان مئات الاعتداءات الإجرامية التي نفذت في البلدات الفلسطينية المحتلة، وضد الجماهير العربية في إسرائيل نفسها، تحت شعارات "تدفيع الثمن" (تاج محير) لم يكشف عن أي منها؟

نحن اليوم أمام مرحلة تاريخية جديدة في إسرائيل. الوحش الاستيطاني بات هو المسيطر على شؤون الدولة اليهودية.

 

nabiloudeh@gmail.com