عرف قراء (الكلمة) ياسر شعبان في روايته التي نشرناها له في العدد الأول، وربما ، ولكنه هنا يقدم جانبا جديدا من إبداعه، وإن كانت المسحة السردية لاتزال واضحة عليه.

عشيقة الشاعر

ياسر شعبان

 

 

(1)

من أولها

يا روح الدعابة

لا تفارقيني

..  ..

منذ خمسة وأربعين يوماً

لو قال لي واحد

ستري امرأة في محطة مصر

امرأة – ستراها لأول مرة

وقادمة من بعيد

امرأة – لا شئ فيها يلفت انتباه واحد مثلك

امرأة – ستلتزم تجاهها بشعور لا مبرر له

..  .. في مواجهته تماماً

سأسخر من رومانسيته البلهاء

من بعيد .. يا رجل

ولا أعرفها .. يا سلام

وغير ملفتة … مالي والهم

.. ..

يا ملهمتي

لا تتخف أكثر من هذا

لا تفارقي خيالي

تشكلي جسداً

يعينني علي شحوب روحي

يا روحي يا روحي

تشكلي دقيقة – دقيقة

تكفيني شحومي

داعبيني – عذبيني

أمتعي جسدي

دعيني ألمس كل جزء في جسدك

جسدك الذي سيتعرى

ويتمدد في هدوء أمامي

قبل أن تذيبه رغبتي

قومي

يا ملهمتي

يا رائحتي

يا جسدي

يا روحي يا روحي

.. ..

جسدي …

هذا العظم واللحم والشحم والجلد

هذه الإيماءات المقصودة والمنفلتة

هذا الظل الذي يخلفه

هذا .. ..

يالك من شائع

أين أنت

لست كما وعدتني

لست ما يخصني

جسدي .. .. .. يا أجساد الآخرين

.. ..

قالت – أنا بنت

وأصفر وجهها قليلاً

وترددت الكلمة بداخلي طويلاً ..

ولم أقل لها

أنت من صنع رغبتي ..

.. ..

علاقتي بالتليفون سيئة

فعندما أغلق باب حجرتي

أغلقه دون العالم الذين لا أكرههم

أغلقه في لحظة تؤنسني فيها وحدتي

لا أكرههم

أريدهم كما اختزنتهم ذاكرتي وحواسي

لكنه الملعون – بأسلاكه يتركهم يتسللون إلي

يتسللون ..

يفسدون رائحة الهواء بعبق عرقهم

يفسدون ذاكرتي بآرائهم التافهة

يفسدون حواسي بانفعالاتهم المزيفة

التليفون

الجماد – علاقتي به سيئة –

قفزت بواسطته البنت من رغبتي

قفزت بصوتها – بجسدها

قصيرة ودقيقة – وبنتاً

برغبتي

يا روحي يا روحي

 

(2)

قالت للبنات:

أحببت شاعر

قلن:

يا حظك

هم يجيدون الكلام الساحر

يجيدون صناعة الأحلام

قالت:

أحببت شاعراً

لا يكتب عن الليل والقمر

ولا الحدائق والعصافير

ولا يكتب " يا حبيبتي –

شاعر – قال لي:

اعشقي جسدي

اعشقي رائحتي

فأنا أرغب في عشق مناطق

غير الوجه بشفتيه وعينيه

وغير اليدين وشكل الساقين في الجيبات القصيرة

إنه لا يتنهد ولا "يسبل" عينيه

لا يهمس

قلن:

يا حظك

هم يجيدون الإغواء

يجيدون اكتشاف أماكن اللذة

.. ..

يا وحمة فوق السرة تماماً

يا قطرة الشهد فوق السمرة

المشربة بدم العشاق

..  ..

يا حلمتها يا حلمتها

يا عيني ولد تعلقتا

للأبد

..  ..

يا كل المناطق الغامضة

يا قمر بين ربوتين

يا قمر يا قمر

..  ..

يا حضور ظلها

يا عبقها الذي لا يروح

مالنا والروح

..  ..

عشيقة الشاعر

يا صغيرته .. دائما

لو تدرين ماذا يفعل الشعراء بعشيقاتهم

لو تدرين

ما تخليت عن غفلتك

ما دبرت أن تصيري محترفة

ما أنصت للبنات الغانيات

الشعراء يا عشيقتي الصغيرة – دائما

ترعبهم الانفعالات الزائفة ..

 

(3)

كتب:

لما نفترق سيضعف قلبها

لن يحتمل غيابي

سيشحب جسدها – تماما ً

وستحلم بي كل ليلة

وتستحضرني لما تمارس الجنس

لحظتها .. لم يكن منتبهاً

عبء " سينغص " عليه حياته

عبء سيشعره بأهميته

عبء سيجعله يسخر من الرومانسية المسكينة

عبء .. وخيبة .. وذكريات

كتب :

ولما أقابلها

سيكون جسدها قد تغير

و لن أنجح في تذكرته أبداً

.. ..

 الأوراق التي يمزقها المراهقون

لا يقدر علي تمزيقها سواهم

ولا تعني لهم أكثر من ذلك ..  .. أوراق

فأجسادهم قادرة علي حفظ كل الصور .. كل الروائح

لهم :

الأوراق .. أوراق

الصور .. صور

ما يحدث .. يحدث

لم يتعلموا – بعد – صناعة الذكريات

حيث ورقة صغيرة ـ صورة ـ

رائحة مطوية في منديل

كنز ـ

كنوزنا التي نحفظها في درج لا نفتحه

كنوزنا التي نواريها في الحقائب المهملة

كل ما كان ـ كل ما تبقي

كل الذي يفاجئنا في مرة

بعشيقاتنا

مرة ـ يتخلصن من أسر الصور

ويستعدن روائحهن

يتجسدن أمامنا

بطريقة تدفعنا لنعيدها كل ليلة

كل ليلة

حتى نلمح في عيونهن تلك النظرة

تلك النظرة التي تجعلنا نتمني أن نعود مراهقين

وتجعلنا نكره أجسادنا

 

(4)

أحياناً..

نحتاج أن تكون لنا أحلام بسيطة

أحلام لا نقبل أن يلومنا الناس عليها

ندير وجوهنا للحائط

برغبة ملحة في البكاء

لما نشعر بها لا تتحقق

هكذا ـ

نعود رومانسيين

ولا أستطيع أن أقول حمقي

ندخل محلات الهدايا

التي هجرناها من زمان

ونشعر بخدر خفيف

ونحن نشير ـ ثانية ـ إلي إكسسوارات البنات

الله ـ

يا عنق البنت لما تحيطه سلسلة

يتدلى منها جعران صغير

الله عليك يا جسدي يا جسدي

يا كل الذي يفلت من بين أصابعي

فيجبرني علي الابتسام

 

(5)

سيظل العشاق المتخيلون

يسكنون بداخلنا

يراقبوننا بشغف طفولي

ونحن نعيد أفعالهم

كأنما هذا الولد ظل

سيعانق بعد خطوتين ظل البنت

ويفترقان – كما افترقا

ولن تنجح الصور والكلمات

ربما ـ

تساعدنا علي استعاده لحظة

ربما ـ لنشم نفس الرائحة

نري نفس العينين ـ النهدين

ونتوتر من حركة أصابع الكف

ربما ـ

تتعلق بعيوننا دمعة

دمعة لها عبق خاص

لنتنهد ـ وبنفس نبرة الصوت

وبنفس التشنج:

إلي متي سنستمر في صنع عشيقاتنا

برغبتنا ـ بروحنا ـ بدمنا

نصنعهن ليشبهننا ـ قليلاً

رغم أننا

سنمر عليهن ـ والله مرغمين ـ

وكأننا لم نتعر ولما نمارس الجنس

.. ..

إلي متي سنستمر

إلي متي سنتحمل

أشعر بجسدي

في كل مرة

يفقد من رائحته

في كل مرة

لما تغيب يتلاشى ـ قليلاً

في  كل مرة

..  ..  .. يا جسدي