تتبدى من مقالة الناقد رؤية تؤكد على دلالية الأبعاد السردية أثتاء قراءته لرواية «ذئاب فوجي سان» لمحمد عباس، يتناول بالتحليل شخصياتها ويعتمر السرد من مصائر وتحولات وتداعيات في الأحداث، ويرى أن الرواية في عشرة حركات أي أنها سيمفونية متموجة تنتهي بانتصار الخير على الشر.

«ذئاب فوجي سان» . . وروعة الحكي

محـسـن صـالح

رواية اكتملت عناصرها فطغت على ماحولها من أعمال، فتراها لها رونقها الخاص وإحساسها الجاذب الذي يدلف إلى داخل النفس، إنها "ذئاب فوجي سان" للرائع محمد عباس، مهندس الإلكترونات الذي اعتزل العمل الهندسي ليفرغ للعمل الإبداعي، لقد ترك الهندسة بشحمها ولحمها ليلقي بنفسه في أتون الأدب. شاب حينما تراه دمث الأخلاق، مبتسم الثغر، رائق الحديث، قابلته في إحدي ورشه التي نظمها وشاهدته عن كثب ولايزال السؤال العالق في ذهني ولم أسأله له بعد لماذا تركت الهندسة وماهو السر الذي جذبك إلى عالم الأدب وناره المقدسة. لم أسأله هذا السؤال بعد ولعلي قد أحظي لديه بإجابة.

على كل، تصافحنا رواية "ذئاب فوجي سان" بسيمفونية لها عتباتها، فنجد صورة الغلاف مليئة بالأكشن، ثم هناك صور أخري داخل العمل الروائي تنم عن إنفعالات وصراعات وتوتر. الأمر الذي ينقلنا إلى عالم فوجي سان الجميل، ولانلبث في إغلاق الرواية بغلافها الخلفي أن نجد سيف السامواري رمز الشجاعة والإقدام والجسارة والشدة. ندرك من هذا كله أننا حيال الصراع بين الحق والباطل ولايهدئ من الغلاف الخلفي للرواية إلا صورة الكاتب "محمد عباس" المبتسم والنبذة المختصرة عن حياته ومن حجم الرواية نستنتج أنها رواية سريعة الجريان، صاخبة الأحداث عالية النبر وهكذا نرى الرواية من اسمها إلى شكلها إلى الصور الداخلية فيها إلى صورة الغلاف.. كلها تنقلك إلى مغامرة حلوة جميلة لها عذاباتها ولايزال الأسم الغامض للرواية "ذئاب فوجي سان" يجعلك تستسلم وتلقي بنفسك في أتونها وتقول لنفسك لابد أن أبدأ الآن.

الرواية في عشرة حركات أي أنها سيمفونية متراكبة الأجزاء تعلو نبراتها حينا لتخفت حينا أخر ثم نجد هناك الخاتمة الجميلة الحلوة والتي تدل على إنتصار الخير على الشر. فهيا عزيزي القارئ نغوص في درر هذا العمل الروائي الرائع نشاهده ونصف أصدافه وقيعانه الجميلة وشعابه المرجانية وجمال عالمه الذي يشدنا في حميا لانستطيع منها فكاكا. تمتلئ الرواية باللقطات المحكمة والنسيج الخلاق، إنها إعجاز من بناء كاتبنا الشاب المبدع محمد عباس.

تأخذنا بداية الرواية في ضوء البرق الخاطف والمظهر المهيب للشخص الذي دلف إلى مكان الملياردير عزت زيدان.. تلك البداية الخاطفة لدخول أحمد زيدان الشاب إلى عالم الرواية وعليه سيماء الهدوء تجعلنا ندرك منذ اللحظة الأولى شخصية أحمد زيدان ورباطة جأشه في مواجهة ماسيراه بعد لننطلق بسرعة إلى قلب الحدث الذي يأخذ شكل السرد الإسترجاعي من أحمد زيدان لعمه الملياردير عزت زيدان المتحرق لمعرفة غياب إبن أخيه ومادار من أحداث لمدة عام كامل. هذا المشهد إفتتاحي ويمثل مفتاح الأحداث وماسيحدث بعد ذلك على مدار فصول الرواية العشرة من تطورات ومن شخصيات نراها تلتقي وتبتعد حينا حتي تقدم لنا أحداث الرواية الشيقة، ندلف مع أحمد زيدان إلى قلب المعمعة هناك ومشاهد متصاعدة عالية النبرة إنها الطائرة التي تقل أحمد زيدان ووالده رجل الأعمال رأفت زيدان، اللقطات الخاطفة والتي تأخذ شكل دخول بطل الرواية في بدايتها، حيث نجد الصاروخ الذي يندفع إلى الطائرة و"... دوي انفجار عنيف أطاح بمقدمة الطائرة في عنف "ويأمر رأفت زيدان ابنه بالقفز من الطائرة في تفسير لماح وسريع بأن هناك أمل للنجاة وسنجد هذه الروح المغامرة لرأفت زيدان متأصلة في أحمد زيدان إبنه وهي سر نجاته وإن كان رأفت زيدان ليموت من هذه القفزة من الطائرة وينجو أحمد ابنه ليكمل رحلته والتي تمثل محور هذا العمل الخلاق، من هنا تبدأ دراما الصورة في التشكل ونجد هناك خطوط الألوان ترسم لنا اللوحة في بهاء. هناك بطل واحد ألا وهو أحمد زيدان قوي البنية شديد الشكيمة، إنه بطل في زمن المؤامرات والدسائس.تتحرك الرواية والأحداث لنجد أنفسنا مع أحمد في مواجهة عالم عنيف وحشي وشرس هو عالم الذئاب ومواجهتهم لحظة حجومهم على أحمد زيدان. يتكرر مشهد الذئاب في الرواية في موقفين في بدايتها في هذا المشهد وفي حالة ماقبل النهاية وقبيل تأهل أحمد زيدان للمرحلة الثانية من التدريب. مشهدان يتناوبان ونجد فيهما الصراع مع الذئاب في تفاعل مع عناصر الطبيعة بدون روتوش. المشاهد تتري قفزة الأب والأبن من الطائرة ثم وفاة الأب ثم صراع أحمد زيدان مع الدب وقتله إياه ثم صراعه مع الذئاب وهجوم قائدهم عليه ونشب مخالبة في كتف أحمد زيدان وإظلام الدنيا في عينيه لنلقي بعد ذلك مرحلة أخري من مراحل الرواية، لاتزال كلمات والد أحمد زيدان، عزت زيدان يقول له "... إياك أن تستسلم لمصير مظلم دون أن تحاول تغييره ـ فندمك على عدم المحاولة سيفوق آلاف المرات ألمك إذا فشلت في تغييره " هذا مبدأ الرواية وقلبها الفتي النابض، محاولة تغيير العالم من حولنا وعدم السكوت لما يدور من حولنا، وسنجد أن اللهاث الذي تقذفنا به الأحداث تؤطره هذه النصيحة الغالية عنوان هذه الرواية، "... لامجال للصدفة في الحياة... كل شيئ بقدر، فتعامل مع الدنيا بذكاء من هذا المنطلق " كلمات من ذهب من والد أحمد زيدان، كلمات من نور تضيء له حياته فيما بعد.

في الفصل الرابع نجد مثلث الشر يتكلم هاروتو وشيمون وجاكسون ونجد أن المسلسل القذر للموساد والسي آي إيه لاينتهي في غلق تطوير للتكنولوجيا وإدخالها لمصر، نجد في هذا الفصل إشارات إلي إسقاط الطائرة المصرية القادمة من أمريكا طائرة البطوطي، تلك الحادثة التي خرست عنها كل الألسنة كما هو دأب كل كوارثنا وكأن الرأي العام ينسي وماهو بناس، ونجد الشيئ بالشيئ يذكر وهكذا نجد أنفسنا ندخل إلى اللقطة التالية محملين بالحنق والغضب على أولئك الغشاشين والمخادعين ونجد أن مشهد الحديقة وسط الصحراء وأخر كلمات الأب الذي سيموت بعد ذلك متأثرا بإصاباته من سقوطه من الطائرة بعدها يلقي أحمد الدب ويقتله ثم يموت والده ثم بعدها نجد ذئاب فوجي سان ونجد قول أحمد في مواجهة الذئب "هيا أيها اللعين أهجم فلم يعد لدي ماأخسره ومايجعلني أقف لمواجهتك فقط هو وصية والدي بالأ أستسلم أبدا" ألم أقل بأن هذه الجسارة هي عنوان الرواية وأصل توجهها.

يصاب أحمد وينتقل إلى القرية، هناك تبدأ مرحلة أخري من مراحل الرواية في هذه النقلة إلى القرية، إنها نقلة نوعية على مستوي الأحداث بطلها ميتسو الذي له دور محوري في الأحداث وفي إعداد أحمد زيدان ليكون البطل القادم، نجد هنا أيضا سايوري ونجد كاتاشي ومن هذه اللحظة فصاعدا سنجد أن هذا الثلاثي يمثل مثلث الخير في الرواية. يدخل ميتسو الشاب أحمد زيدان إلى عالم القرية هناك أعلى التل في بداية تأخذنا إلى مستوي أخر من مستويات الحكي أو بالأحري مكان أخر فنري فيه خصوصية إلىابان وخصوصية السامواري وانطلاقة المستقبل ومحاربة الفساد.. مزايا تحتشد وتجتمع لنري المدينة الفاضلة ونري أحمد زيدان يغوص فيها حتي أعماقه وكأنها جنة الله على الأرض. نرى في حوار يوتا مع ميتسو بعد دفن أحمد لوالده روح التعصب وروح التمرد الأعمي ونلمح من خلال انتقاد يوتا، شيئا عن المجتمع الذي نحن فيه وارتباطة بالروح الأصلية لليابان ومواجهة إمبراطوريات الشر ويختتم المشهد بكلمة كالشرر "أرجو أن تراجع الأمر سنسيه فهناك أوقات لاينفع فيها الندم" كلمة سنجد لها صداها في المستقبل حال الهجوم المباغت على هذه القرية في المستقبل من جراء خيانة يوتا.

في الفصل الخامس، قلب الرواية نجد بداية تصاعد وتيرة الأحداث من إلتئام جرح أحمد زيدان في هذه القرية اليابانية المنعزلة والتي تحارب الشر في المدينة هناك. يبدأ أحمد زيدان في دخول عالم القرية بعنف. الجميل في هذا الفصل هي الديمقراطية البدائية أو مايسمى بالـCity State حيث نجد هناك إجتماع القرية بخصوص بقاء أحمد وتدريبه على فنون قتال الساموراي ومعارضة يوتا والمقاتلين معه لهذه الفكرة. إختار أحمد زيدان سيف التاتشي وأصبح يلقب بإسم سيفه من الأن فصاعدا، في هذا الفصل نري أول لقاء تجريبي بدون سلاح بين أحمد زيدان "تاتشي " وبين يوتا وتعليمات ميتسو لأحمد بأن يجعل روحه وعقله وجسده على نفس الموجه في حركة رد فعله ضد يوتا وقدرته على صد ضربة له في تناغم جميل ورائع.

في الفصل السادس، نجد تعليمات من درر من ميتسو مدرب أحمد زيدان له في اصطياد الطير الطائر والسمك في أعماق المياه: تعليمات تدعوه في مجملها إلي التركيز على الهدف وشحذ قوي النفس والجسد والروح من أجل الإنجاز والإنجاز المبهر والرائع في هذا الفصل حينما قبض ميتسو على أحمد زيدان من تلابيبه وصاح فيه "... فلتعلم أنك لن تختار أرض المعركة ولا السلاح ولاأي شيئ، يجب أن تكون دائما مقاتلا شديدا يقاتل في أي مكان وبأي سلاح وتحت أي ظرف". كلمات من نور تنطلق لتنغمس في عقل أحمد زيدان وتكون وقوده في بناء نفسه وإعدادها لما هو آت من قابل الأيام.

في الفصل السابع نجد الصراع الذي وضع فيه أحمد مع الذئاب، حيث نجده يقتل قائد الذئاب بيدين عاريتين، ثم يكون هناك أول لقاء بالسيوف مع يوتا مباراة حقيقة كتمت فيه الأنفاس ولكنها كللت بنجاح أحمد زيدان وفوزه على يوتا قائد المقاتلين الساموراي.. كان هناك قلبان يحوطان أحمد زيدان أو تاتشي وهما سايوراي إبنة ميتسو المدرب وكاتاشي زميله في مجال الإتصالات، بل إنه عبقري في هذا المجال. بدأت المرحلة الثانية من التدريب وكانت على الأسلحة الحديثة وكذلك على قيادة أدوات القتال الحديثة مثال طائرة الهليكوبتر. في خاتمة المطاف صار أحمد سوبر هيرو أو بطلا مغو ارا أو مقاتلا محترفا.

لانزال مع مغامرات البطل المغوار أحمد زيدان أو تاتشي وهو يدخل للمرة الأولي إلى حلبة الصراع الخارجي ضد الشر ممثلا في هاروتو سان، هنا نجد فصول الرواية الثامن والتاسع والعاشر سيمفونية ملحمية من ثلاث حركات تعزف لنا الحدث الجلل الذي نراه في إقتحام أحمد زيدان لمقر هاروتو سان وإسترداد السيف الأثري المسروق ورباطة جأشه حال الهجوم المرتد على القرية وإستبساله في الدفاع عنها. في حالة إسترداده للسيف تاتشي الأثري نجد البطل أحمد زيدان في صراع إستغرق ساعات خمسة نري في هذا الصراع إستخدام أحدث أجهزة الإتصالات الإلكترونية ولعلنا نري هنا أثر تخصص الكاتب المبدع محمد عباس مهندس الإتصالات والالكترونات في هذا العمل، حيث نري تطور التكنولوجيا الحديثة والتي لانراها إلا في أفلام الخيال العلمي. نري الإتصالات المتطورة بين كاتاشي وبين أحمد زيدان في إقتحام قصر هاروتو وإسترداد السيف ثم براعة أحمد زيدان في مواجهة المطاردات التي تبعت ذلك حتي وصل إلى الطائرة الهليكوبتر التي كانت في إنتظاره في قفزة عجيبة وخارقة.

في الفصل الأخير نجد هناك آثار الخيانة حيث يحدث الهجوم على القرية المسالمة من جراء خيانة تمت على أيدي يوتا وهي خيانة غير مستغربة ولكنها تدل على خسة النفس في أدني حالاتها ونري في خاتمة الرواية إنتصار الخير وإن كانت الرحلة تشبه في كثير منها رحلات الملاحم القديمة.

تنتهي الرواية ولاينتهي الشوق إليها وإلى المزيد من إبداعات هذا الفنان والمبدع محمد عباس، فتحية لك مبدعا وتحية لك كاتبا رائعا خلاقا ومجيدا على الدوام وإلى لقاء في إبداعات أخري لك في عالمك الأثير لدينا وكتاباتك التي تبقي في أرواحنا وعقولنا أملا يتجدد على الدوام لإنهزام الشر أمام الخير، أملا لانجده إلا عند المبدعين الرائعين من أمثالك.