اختتمت فعاليات الدورة الثانية عشرة لملتقى مارتيل لمسرح الطفل، والذي يشكل أحد المواعيد الأساسية في الوسط الفني يحتفى من خلاله بالطفل والمسرح ويرسخ لثقافة حضور مسرح الطفل داخل المؤسسات التعليمية، وتشكل التجربة المغربية في هذا المجال نموذجا يحتذى بفعل ما راكمته طيلة السنوات الأخيرة، هنا تقرير عن هذه الفعالية التي اختارت مسرح الطفل في علاقته بمفهوم التنمية.

مسرح الطفل كمدخل للتنمية

عروض وفقرات قدمت فرجات في مختلف فضاءات المدينة
اختتمت بمدينة مارتيل فعاليات الدورة الثانية عشرة لملتقى مسرح الطفل، وهو الملتقى الذي عاشته المدينة على امتداد أربعة أيام، وعرف تقديم عروض في فضاءات متعددة لتكريس مزيد من انفتاح الفرجة المسرحية على الجمهور. الملتقى الثاني عشر لمسرح الطفل والذي ينظمه فرع المنظمة الوطنية لفناني مسرح العرائس بمرتيل أيام 31 دجنبر 2015 و1-2-3 يناير 2016  تحت شعار: "مسرح الطفل مدخل أساس للتنمية الذاتية" بشراكة مع المجلس البلدي ووكالة تنمية وإنعاش الشمال وبدعم من عمالة المضيق- الفنيدق، شكل حسب مدير التظاهرة الأستاذ مصطفى الستيتو، خطوة أخرى لمزيد من تكريس هوية الملتقى والذي سيسعى الى مأسسة أفقه كي يوسع من فقرات برنامجه وطموح منظميه.

أما عن دواعي اختيار موضوع "مسرح الطفل مدخل أساس للتنمية الذاتية"، أعرب الأستاذ الستيتو أنه انخراط فعلي في النقاش العام حول مفاهيم تتعلق بالتنمية البشرية عموما، وهو ما يعطي مشروعية المسرح في لعب دوره ضمن إشكال انخراط الفرد في هذه الدينامية، ومن هنا أهمية الاشتغال على هذه الأبعاد في مستواها القاعدي والذي يشكل الطفل عمادها الأساس.

ويندرج مشروع الملتقى ضمن تصور ومشروع تربوي ثقافي وتنشيطي ينمو ويتطور بثبات لأخذ مكانه الشرعي ضمن فضاءات الإشعاع المحلية والوطنية، إذ استطاعت الجهات المنظمة على أن تحافظ على استمرارية الملتقى طيلة 12 سنة من عمره، وفي كل دورة سعت لتطوير فقراته وخلق فرص للقاء المهتمين بمجال مسرح الطفل لتبادل الخبرات والأراء.

الدورة الثانية عشرة لملتقى مارتيل لمسرح الطفل شهدت تقديم فرجات اختلط فيها مفهومي الاحتراف بالهواية، صنعت لحظات رسخت في وجدان كل الذين حجوا لملء جنبات قاعة سينما الريف بمرتيل وساحة "باركي" البلدية في خطوة مدروسة لانفتاح الملتقى على نقط خارجية، وليدشن مرحلة جديدة من البحث عن صيغة تقديم عروض وأنشطة الهواء الطلق بما تمنحه من إمكانية توسيع دائرة العرض وتلبية حاجة أكبر عدد ممكن من الجماهير الغفيرة المتعطشة والعاشقة لمواد هذا الحدث السنوي الفرجوي الذي شمل هذه الدورة عروضا فنية وتنشيطية محلية ووطنية تنوعت بين مجالات المسرح، فن الكورال، الفلامينكو،الحكي، اللوحات التراثية الراقصة والتنشيط.

ندوة "مسرح الطفل مدخل أساس للتنمية الذاتية"
وبالموازاة مع ذلك وبمكتبة أبي الحسن الشاذلي تم تنظيم ندوة علمية حول موضوع: "مسرح الطفل ومداخل التنمية الذاتية" ساهم فيها كل من د. أحمد المطيلي والمهندس طارق المفتوحي، وقام بتسييرها وتنشيطها د. المعتمد الخراز، وقد سجلت حضور ثلة من الأساتذة الدكاترة والأكاديميين والفنانين المسرحيين والطلبة الباحثين والتلاميذ الذين أثروا النقاش بمداخلات وإضافات منحت هذه الندوة بعدها العلمي العميق، مما أضفى عليها شرعية تثبيت حيزها ضمن برنامج الملتقى، إضافة إلى ذلك وبمركز المبادرات الجمعوية "الأندلس" نظمت ورشة الحكي والحكاية التي أطرها الفنان سعيد البنكي، وورشة التعببير الجسدي التي أطرها الفنان مبارك محمودي .

وأشار الدكتور المعتمد الخراز إلى مختلف الوظائف التي يؤديها فعل المسرح في أبعاده التربوية والجمالية والتطهيرية وليشيد باختيار هذا الموضوع المتعلق بوظيفة المسرح كآلية من بين آليات ومداخل التنمية الذاتية، وهو الأمر الذي دعمه مدير الملتقى الأستاذ مصطفى الستيتو في كلمته الافتتاحية التي أشار من خلالها إلى مبررات اختيار هذا الموضوع الذي يأتي في سياق الانخراط في النقاش العام حول مفاهيم تتعلق بالتنمية البشرية عموما، وهو ما يعطي مشروعية المسرح في لعب دوره ضمن إشكال انخراط الفرد في هذه الدينامية ما لم يتم تأهيله لامتلاك وعيه بذاته وبإمكانياته وطاقاته الذاتية باعتبارها مؤهلات الانخراط الإيجابي في دورة التنمية الذاتية والموضوعية المجالية، ومن هنا أهمية الاشتغال على هذه الأبعاد في مستواها القاعدي والذي يشكل الطفل عمادها الأساس.

ثم تناول الكلمة الدكتور أحمد المطيلي المختص في علم النفس، والذي أقر في بداية مداخلته بأهمية المسرح بالنسبة للمجتمعات بما يتيحه من إمكانيات التعبير عن الذات والموضوع، وبما يسمح به من فرص الكشف عن الطاقات الكامنة لدى الأفراد في أبعادها الفيزيولوجية الجسدية والوجدانية النفسية والروحية، ليسترسل في الحديث عن مفهوم المسرح انطلاقا من وظيفته داخل المجتمعات عبر التاريخ وليركز في مداخلته على أهمية المسرح باعتباره أب الفنون الذي يحتضن الرسم والعمارة والنجارة والموسيقى والرقص والتعبير الجسدي والأزياء والإنارة والجسد وغيرها من المكونات التي تتفاعل فيما بينها جماليا وإبداعيا لتكشف عن طاقات الممارس وإمكانياته الخارقة أحيانا ولتخاطب وجدان المتلقي وعقله بهدف تمثل قيم ومساءلة قضايا تبقى مفتوحة على كل احتمالات الفهم والاستيعاب. وفي الأخير خلص إلى كون المسرح وفي ارتباط بموضوع الطفولة يبقى بالإضافة إلى كونه أداة تعليمية تعلمية، وسيلة علاجية ناجعة من حيث دوره الفعال في تنشيط العمليات الذهنية الوجدانية والحركية، سواء تعلق الأمر بالممثل الذي يتمكن من اكتشاف ذاته وتنمية قدراته التفاعلية مع الأحداث والأشخاص وتعزيز الثقة بالنفس وامتلاك الجرأة الإيجابية وكفاية التواصل والتعبير الشفوي وغيره، أو بالمتلقي الذي ينمي لديه ملكات المشاهدة والملاحظة والتفاعل والنقد القائم على التذوق الفني والجمالي، وكلها أبعاد عميقة وهامة في مجال " السيكودراما " كمسرح علاجي ناجع للعديد من الحالات النفسية العابره أو المركبة، ومن هنا أهمية المسرح وعلاقته بتنمية الذات وتأهيلها للاندماج الإيجابي في المجال الحيوي بكل فرصه وتناقضاته وإكراهاته.

بعد هذا تناول الكلمة المهندس طارق المفتوحي أحد المدربين المختصين في التنمية الذاتية، والذي في مستهل حديثه عبر عن سعادته بهذه الفرصة التي جعلته يكتشف إمكانيات هذا المجال الذي إسمه المسرح وفي إطار كل الخطوات المنهجية المعتمدة علميا وتقنيا كآليات بناء الذات وتنمية القدرات الفردية والجماعية والتي يستند في تطبيقها على مرجعية دروس طارق سويدان التي تقوم على عشرة أسئلة من ببينها : هل تقوم بتقييم ذاتك؟  ما المقصود بتقييم الذات؟ هل لديك مهارات التواصل مع الآخر؟ وهل تعرف قدراتك الإبداعية؟... والتي تعد عناصر الإجابة عليها مداخل أساسية لتحقيق التنمية الذاتية المنشودة، ومن هنا يخلص المحاضر إلى كون المسرح اجتمعت فيه كل هذه العناصر، ومن هنا أهمية توجيه الأطفال إلى ممارسته على يد مختصين يراعون الخصوصيات النفسية والاجتماعية والذاتية للمستهدفين بهدف الإسهام الحقيقي في بناء الذات عقليا فكريا جسديا نفسيا وجدانيا واجتماعيا ومهاراتيا.

هذا وفي الأخير فتح باب النقاش الذي أثراه مجموعة من الدكاترة والأساتذة الباحثين والفاعلين الجمعويين والمسرحيين والتلاميذ والتي كانت مداخلاتهم إضافات نوعية أضفت على اجواء الندوة عمقا معرفيا وأكاديميا حقق كل الأبعاد التفاعلية لهذه الندوة ومدى أهميتها  وجدواها ضمن برنامج هذا الملتقى.

خطوة أخرى:
أسدل الستار عن فعاليات ملتقى مرتيل الثاني عشر، هذه الدورة فتحت إمكانية أخرى لتطوير هذا المشروع والسير به نحو آفاق أوسع وأرحب من الإشعاع والاحترافية، كما أعطت إشارة قوية لمشروعية تقديم ملتمس للمسؤولين بضرورة التفكير في برمجة بنية تحتية ثقافية تتوفر على قاعة وفضاءات تستوعب هذا الكم الجماهيري الشغوف بمثل هذه الأنشطة التي تعد مدخلا أساسيا لكل تنمية ثقافية وسياحية بالمنطقة. وتتجه الجهة المنظمة بتنسيق مع شركائها والداعمين الى مأسسة المهرجان كي يستطيع تحقيق أهدافه المرجوة.