في وهج الإحساس يغور القاص المغربي،، في التذكر وتقليب الأحاسيس المغمورة بدفء طيف حبيبٍ مسافر أو بعيد، أو ممتنع، أو من نسج خيال الراوي أنثى مستحيلة، يحلم بدفئها كل رجل، فيدور في الطبيعةـ ويراها في الشجر والبحر والفراش والمواسم أنشودة حنين جارحة.

شيء من الحنين

سعيد أحباط

- يقال : إنك أجمل نساء المدينة...

إن القلب حين يطير، يمتلئ ضياعا، وهكذا صارت قصتي، تحاكي القلب، منذ زمن ليس ببعيد، وبالتالي تبخرت معه سفن عشقنا الموروثة حيث أنظر إليك أحس أن ساعة من التأمل تكفي لتفسير العالم والحياة، أكثر من أي شيء.. وما بين النطق والصمت برزخ فيه قبر العقل وقبور الأشياء.

كنا ندعي أن التوحد مع أسرار الحياة هو توحد خاص للحيلولة دون الارتباط مع الزمن ، حسبنا الوقت يقاس مرتين، فاندفعنا نحتسي مع ما تبقى من إدمان وجودنا، لكن ما هي إلا لحظات قليلة، حتى تذكرنا بالمقاييس التي انفلت من أيدينا، فعدنا من جديد، نطرح التوحد مع الزمن وصيرورته، لكي يهادن صمتا الثقيل، ليست فلسفة بقدر ما هي عطاءات كثيرة ادخرتها لك طول سنوات الغربة والضياع.

مازال صوتك يشدو كطائر الغربة...ويبعث في نفسي أنغاما جديدة، والآن وبعد تلك السنوات الطويلة عرفت أن هناك توحدا أزليا يجمع ما بين قلبينا، ولا أخفي أنني أحاول دائما تذكر نفسي عند مفترق اللقاء أو أي مفترق في النهاية إلى عنونة ذكريات الشتاء، وببوحها الذي يفجر فينا الحب، والمصير المجهول....ويقال أن البحر دونك بلا شواطئ وأجفان تتكسر قرب الرمال.

ذواتي مترفة بما تخبئه لك في رحلة المصير، أسلمت فيه كل التقاليد ميلادي وكل زفة لطائر حنون، يرتقب لمرور أنثاه كي يحنو على ما تبقى من وجع الأيام وغربة السنين وهكذا تدور دائرتي إلى أن سألني احد أصدقائي عن ابتسامة تغري التي تتمحور في كل الاتجاهات؟ كان الجواب يرتدي حلة ما عرفتها شجون شاعر.

قلت مع نفسي، حين يصير عالم التوحد مطلقا لا بد أن يلتقي الليل مع الذاكرة ومن يومها مشيت وحيدا على الرمال الشاطئ، ووقع خطاي يؤنس وحدتي وزخات المطر المتساقطة تنقلني إلى فضاءات واسعة... وما بين دفاتري وأقلامي كنت كلما ابتعدت ولمسافة طويلة أجدك عند زاوية قريبة استمع لشجي صوتك الدافئ الذي ينتقل إلي دائما مع رائحة الشتاء فإحساسي بوجودك هو نوع من الحنين، يتداخل مع وقع خطاي، لكنه الشيء الوحيد الخالد في الحياة، نعم كلمات تسافر تبحر وحيدة، تمتد خصالها حول كل من كان عشقه وحبه.. فوق ما في الحب، وفوق كل الكلمات المتعارف عليها في ذلك الوقت، أرى في تلك الكلمات نسيج ذاكرتي إليك عارضت نفسي لكنها في كل لحظة تتجنب ارتطامي حتى ما ادخرته من جمال الكلمات. صارت أوجاعا تفوق كل أوجاعي الممتدة من مساري إلى غرفتي الصغيرة المربع، نعم تعلمت الآن كيف يكون امتدادا للحزن على صفحتي البيضاء، وحين نظرت إليك من النافذة أحسست بوخز في الذاكرة يسبح مع سماع أغصان الأشجار، حيث تتماوج في تلك الليلة العاصفة الغامضة، التي أحاطت مخيلتي بفكرة العودة فهناك شجرة تحمل من أسباب الحب ما حملته تلك الفترة التي أرهقت أعصابنا سئلت يوما عن العلانية التي تعقب السرية القائمة على حفظ اللحظات المحترفة، بحزن بما هو آت؟

دونما شك تذهب المخيلة أحيانا إلى فضاءات أخرى، ويبقى للحب ذاكرته الخالدة، ومع ذلك سنبقى في تواصل مع الزمن، لكن هل يبقى للتوحد في مثل تلك اللحظات أي معنى؟

أظن أن المعاني تكبر قليلا، إن حصل ذلك فليست هناك أية وعود، أو تبدلات لتحنو على ما تبقى من السفر الأزلي، فالوعود وحدها قادرة على تفسير جوهر الكلام، وهل قدرتنا على تحقيق ما تبقى من أحلامنا تقف دون هذا التوحد؟ لم تكن يوما جملا متقاطعة لتعدو وراء المسافات لغد خجول الذي يتحين كل الظروف لاضمك.

أخيرا وتشعري بمدى تساقط الحزن، الذي أتعبه وجع السنين وتدركين أني سأكون الرعشة التي لا تحترق...ولا تنام وسأكون ظل النهار إن لم أكن النهار كله.