يخصنا الشاعر السوري المرموق عمر يوسف سليمان، والمتوج مؤخرا بجائزة "إميلي مورا" لعام 2016 عن ديوانه "الموت لا يغوي السكارى"، بهذا النص الشعري الطافح بشعرية التشظي حيث تتوزع صور التهجير والمنفى والتيه حيوات لا ذنب لها غير انتمائها لأرض حاصرتها الحروب والأطماع، ومن ديدن هذا التشظي يخرج صوت الشاعر كي يشكل عبر نصوصه جدارية الوجع السوري اليوم.

كلماتٌ ناعمةٌ كشفرة

عـمر يوسف سليمان

مقبرة في البحر

كُنا نبني قلاعاً لنهدِمَها

نلوِّحُ لامرأةٍ تحدِّقُ في المجهولِ

نورسةٌ تتكوَّرُ في عباءةِ العمر

 

وأنتِ تبحثينَ عن طحينِ الأيام

وأنتِ تشمِّينَ البارودَ في حطبِ الحربِ

هل ترينَ مقبرةً تلوِّحُ في المتوسِّطِ يا أمي؟

 

دمشقُ تمشي حافية

يهتزُّ البحرُ من ضحكاتِنَا

نغطِّي وجوهَنَا بالغيمِ

كي لا ترى الجبالُ أسرابَ الدموع

 

نرفعُ أكفَّنَا بكؤوسِ الليلِ

فيلمعُ على شفاهنا جرحُ الأيامْ

 

في أجاكسيو

غلايينُ قراصنةٍ ترسمُ بالدخانِ ضحكةَ الحقيقة

فناراتٌ تُعانقُ نظراتِ عشاقٍ ضائعين

دمشقُ تركضُ حافيةً

وتُمَزِّقُ خيمةَ التيه

 

ما زالَ المتوسطُ مجنوناً

رائحةُ الملحِ على ابتسامةِ الصيف

ظلالُ وحوشٍ على الرَّمْلِ

ونحنُ نفتِّشُ عن وجوهنا في موجٍ منفيٍّ

 

ما زالَ المتوسِّطُ مجنوناً

وتغيَّرَتْ أسماءُ غربتِنَا

 

آسفون يا قَتَلَة

الخارجونَ من الخرابِ يعانقونَ أصواتَهم

ويفتحونَ صدورَهم للفجر

هناكَ متَّسَعٌ للسماءِ على جباهِنَا

فخلُّوا بينَ أصواتِنا والمسافاتْ

خلُّوا قوارِبَنا للريحِ

وخُذوا مُدُنَ الفراغ

 

ذنبنا أنَّ غُبارَ الشمسِ أعمى عيونَ الرصاصة

فخَرَجنا أقوى من فراشةٍ تدُلُّ الطفلَ على النبع

وأرقَّ من صدى أغنيةٍ في الجبال

حقائبنا ملأى بقُبَلِ العشيقاتِ

ننزعُ الضبابَ المُدَمَّى عن أيامِنَا

ونقولُ آسفونَ يا قَتَلة

صعبٌ أن لا تلمَسَ شفاهُنَا جِلْدَ الحياة

صعبٌ أن يُمحى أثَرُ دموعِنا على الثلج

وصعبٌ أن تموتوا قبلَ أن تَرَوْنَا شُهُبَاً

 

أشباح الله

اشترَوا أسماءَنا

غطَّوا وجوهَنا بشمعِ الخديعة

جعلوا من شرايينا حبالَ مشانق

وباعوا ظِلَّ النخيلِ ببئرِ بترول

 

قدَرٌ أن ننتقلَ من قبرٍ خربٍ

إلى قبرٍ مزخرفْ

قدَرٌ أن يُصارعَ الحصانُ فراغاً أسود

وأن يعانقَ البطلُ دمعَ وردةٍ في جثَّة

 

شجرة العائلة

هنالكَ أشجارُ بلادٍ صارتْ حطباً

كي تدفئَ أبناءَ الفناءْ

هنا في ليلٍ فارغٍ من المعنى

أتلمَّسُ ضوءَ عطركِ

حتى أستعيدَ لغتيْ

في غابةِ النبيذ

أقطِّعُ جسورَ الخوفِ

وأمضيْ إليكِ على خيطِ دمعٍ

هنا قلبيْ بذرةُ شَغَفٍ

أضاعتْ شجرةَ العائلة

 

لي قبلة مخبَّأة

مصيرُ السماءِ المعلَّقُ بطائراتٍ ورقية

عيدٌ يولدُ من بطنٍ مطعونٍ

مَنْ ربَّاهُ الله؟

ومَن أرضعَتْهُ الخطايا؟

مَن سينتصرُ على الوردِ؟

ومَنْ أتْعَبَتْهُ بوالينُ القادة؟

لم يعُد يعنيني كُلُّ هذا

 

لي قبلةٌ مخبَّأةٌ في حديقةِ أمِّيْ

ليْ بلادٌ عاريةٌ

مثلَكِ حينَما تستحمِّيْنَ بدمعيْ

وبينما يتسابقُ الصيَّادونَ نحوَ سفينةِ الحكاياتِ

أصغيْ إلى أنفاسٍ تغفو على سريرِ البحرْ

 

كلماتٌ ناعمةٌ كشفرة

في زاويةٍ مظلمةٍ تجلسُ حياتيْ

كطفلةٍ يتيمة

وأنتِ تنفضينَ الرصاصَ عن نوافذِ ذاكرتيْ

 

أرضُنا جذَبتْ طائراتِ الأرض

وجَذَبتنا المنافي

فالتقينا كطائرَيْنِ في الرَّعد

 

شفاهُكِ حينَ تصمتينَ

وردةٌ تنامُ

والكلماتُ على حزنِ الليلِ ناعمةٌ كشفرة

 

نظرتُكِ التي مثلَ كتابٍ بلا نهاية

تسكبُ في قبريْ فضاءَ البداياتْ