هي نصوص للشاعر العراقي أوس حسن تحتفي بالمواضيع الآسرة للشعر، حيث الزمن المتشظي والبحث عن لغة شعرية تقبض عن تفاصيله التي تنمحي غير عابئة بمصائر الذين تركوا أحلامهم تنتظر، وضمن هذه المتاهة يكتب الشاعر قصائده هنا في محاولة للاقتراب من هذه المفارقة واعترافه بقدرة الشاعر على تمثل صدى العدم.

قصائد

أوس حسن

(احتفاء بالعدم)*

كأي صدفة خلقت العالم..

وبعثت الأشياء من مهدها

أفتح نوافذي وستائري للزائر الجديد

للجنون القادم في عربات الشتاء

للكوابيس الباردة التي تقاسمني وحدتي

ثم تسرق حنجرتي في عمق الظلام الكثيف

للصور التي تتباطأ أمامي على الجدران

للضباب المتكاثف  فوق الرخام..

وهو يبعثر المدى

لنجمة تضاجع الصدى

للأصوات التي تتقافز من رأسي..

ثم تسيل كنشيد بين الشفاه المرتعشة

لشبحي الذي يخدش الزمان بمخالبه

وهو يتسكع في زوايا المدينة الميتة

وكأي صدفة أيضاً....

أفتح نوافذي وستائري للزائر الجديد

للرحيل........

للنسيان....

للعدم...

وللسراب الذي سيبتلع العالم.

 

"غد ولى ..وأمس قادم"

أنا القديس الذي سرق الأحلام ..

من غيوم تشرين ..    

وصار عشبة في انحناءات الزمن 

أنا الصوفي الذي تخضًّر نجومه كل مساء

أشيع ضحكتي التي تلمع في آخر الليل..

وأغني لقمر يتيم في شفاه البائسين

أخبىء في دمعي باقة من تراتيل الملكوت

وأول انتصار لهزائم "سيزيف"

أصرخ من رحم المرايا الحجرية..

عائداً إلى صورتي الأولى

يسبقني أمس قادم ..

ويتبعني غد ولى

هكذا رأيت نفسي بعد ألف عام ..

جالساً تحت شجرة هرمة ..

أمام بحيرة تعمدت بأناشيد الحلاج

أقشر السماوات ..

رويداً..

رويداً

لتهوي مخضبة بخطاياها ..

وأساطيرها الرمادية...

 

( ديالكتيك)

لأنني توهمت الفضيلة ..

سلما ً إلى الأعالي

والخطيئة حبلا ً رماديا ً..

يتأرجح 

بين الحقيقة والجنون

أطفأت نجومي الخضر قبل ولادتي

وعلقتها قصائدَ في جيد المساء

خبأت الكواكب الزرق في معطفي

ليولد شاعر بعد موتي..

خطيئته البحر..

وتهمته الغروب...

.......

أما ما تراه ماثلاً أمام عينيك الآن..

فهو حلم حجري مبلل بالألوان

والموسيقى..

*

هل بوسعك أن تتحرر من اللغة والزمن ؟؟ .

نعم فالحياة مليئة بالصور الشعرية ...

الأشياء في حركتها وسكونها ..

صمتك الذي يضيء صباحات الأبد..

أذكر أني حلقت عاليا

وعلقت بخيط خفي في هذا المدى الشاحب ..

سقط قلبي في بحيرة من الضباب،

ورأيت وجهي قبل أن أولد ..

كان يشبه تجاعيد الموسيقى وانحناءاتها

وهي تحمل مرايا العالم المعتم على ظهرها .....

هكذا اقتنص تلك الرؤى الغامضة كل يوم ...

وأحتفي وحدي بالعدم .

 

العراق