تعود الشاعرة المصرية المرموقة الى لحظة الغياب والحضور، ثنائية ظلت تسكن الشعرية العربية في كافة تجاربها وحساسيتها، لتختار لحظة العودة من مشهد فجائعي وتراجيدي، الى لحظة أكثر تراجيدية، لكن في التقاط دال للتفاصيل الصغيرة، والتي قد تبدو غير دي دلالة، لكنها تصبح عماد لحظة لقيا، واستعارة لغياب مستمر، قد لا تفيد في جعل الحياة ممكنة.

العائدون من الحرب

ديمة محمود

 

العائدون من الحرب

يتخفّفون من الظّلّ والروائح

لا يكفيهم جذعٌ

ينتصب على حافّة ليلٍ

ولا شهدٌ يقطر من وردةٍ

ضاعت في الزّحام

كانت الفراديس تعيث في تخوم دبّابةٍ

آن انتفضنا

وما من سبيلٍ فشربنا ماءينا

لم يلتفت الحادي

ونحن نعيد أجزاء "البازل" من التّراب عنوةً كلّ مرّة

هل كانت ذراعه مبتىورةً

فباغتَ الحمام حجرينا في سهو النّياشين

ونسينا مع سخريتنا أن نشدَّ ألحِفة المدينة

ونحشوَ الرّصاص في أذن الغياب.

 

العائدون من الحرب

لا يحلقون شعورهم سريعاً

يبادرهم فحيح الكدمات

فيطيرون خفافاً في وادي الفراشات

يرتطمون في سُقف المحو والصّفيح

لماذا بقيت لنا أدمغة الخراتيت

و"البودي جاردات"

وقدَدْنا كلّ هذه الصّخورَ لنغلّقَ الأبواب

يقول العهد القديم

وكتيبة التّوق تفتك بالسافّانا والمستنقعات

وتجوبُ الكمائن

والحواجز الإسمنتيّة.

 

هذا الهول الذي اختلط على الإسفلت

سيكون حزاماً لوسط الميدان

(على وحدة ونص)

وهم يهتفون

لا عودةَ من الحرب

دون هزائم أو أحمال

لا عودةَ من الحرب

بلا اشتهاء أو أجنّة

في حضن الوادي تتمطّى قصيدةٌ

تجفّف "عيش الشمس"

علّ العائدين يطوفون مع حواصل الطير

لم يعد الشّجن كافياً ليحمل القدور

ولبث الغياب معلّقاً

في مئذنةٍ تئنّ تحت وطأة الدّخان

وتشهد أن لا رائحة

دون طينٍ

أو جعة!