هي دعوة من الشاعر العراقي لمجازات الألوان واستعاراتها الشعرية، لاستعارات لونية لمدارات مغايرة، وعبرها نقترب من دلالة الحضور لهذا الكائن الآخر الذي يمتزج بأناه في حوار داخلي خاص

صديقي الأبيض جدا

علي حسن الفواز

الى: إبراهيم الخياط

لأنه الأبيض، والأكثر غواية
على فداحة السواد،
جاء بالغابة والنهر والنجوم
والنساء إلى شوارعنا العامة..

**
ولأنه الأحمر والأكثر سحرا
أطلق على اللوحة
أمطارا من المناجل والمطارق والعصافير
ونام على بلل الأغاني..

**
ولأنه الحاشد بألوان العائلة
حمل هتافه الوحيد
وعلّق صوته على شماعة
الأناشيد
وطالبنا بالضحك على الحروب
والأكاذيب والأوهام والمراثي.

**
صديقي الكائن جدا،
يدرك الطريق إلى أحلامه سريعا،
لا إشارات مرور لديه،
ولا أبواق سيارات
ولا حقائب سمسونايت،
هو يرتدي معطف غوغول
يخرج منه نياشين الملك، ومناشير
الفقراء، وأغاني البوب
ويغني بإفراط ابيض..

**
الغناء تعويذته الحمراء،
يرسم لها طلاسم واصواتا نافرة،
ويترك بعض رمادها على الطاولة.
غناؤه يختصر الطريق الى اللذة
اقصد الشارع المقابل،
ويوهم الجسد بالطيران بعيدا.
لذا كان يرقص مثل زوربا
كلما حاصرته أغاني العبور..

**
كان يقول بهوس
تبا للحرب، لأنها أكلت نصف أعمارنا
وقايضتنا بالشيخوخة.
صديقي لم يجفف أمنياته في الحرب،
كان يرسم لها طريقا،
لاحرير فيه،
لكنه يتسع لخطواته..

**
بعد إلف من الحرب،
عدنا بأوهام كبيرة
وبفراديس صغيرة،
نؤجرها للضحك والأحلام والأمنيات المؤجلة،
نتوهمها أوطانا صالحة
للتناسل والغوايات..

**
صديقي لم يكن إلا الأبيض جدا،
مسرورا بأعوام ما بعد الحرب،
يشتري لها الشوارع القريبة،
يضحك على غربته عن المدن والبرتقال،
يستحضر أنثاه الطاعن بالرصاص والأولاد..
صديقي الأبيض جدا،
يحلم بغابة البياض،
يضيق بالمقابر والجسور المقطوعة،
والرؤوس المعلقة على أخطاء الطوائف..

**
كان صديقي يتوغل في أنوثة القصيدة
مثلما يتوغل في البلاد،
القصيدة بلاد صغيرة من النعاس
ترشنا بالكركرات ورائحة النوم،
وتدفعنا لارتكاب المزيد من الشهوات.

**
صديقي الأبيض جدا
آخر ما تبقى،
هو إننا تزدحم بأحلامنا،
نشتري لها وسائد إضافية، وسيارات سريعة
وشوارع مسكونة باليافطات،
نرسم لها طريقا
لا أعداء فيه
لا همرات دكناء تسكنه،
لا فقهاء مغشوشين
لا وصايا قابلة للاصطياد..

**
صديقي الأبيض جدا
كان أبيض حدّ الانتشاء،
لذا ظل يقترح طوفانات صغيرة
لا تبلل إلا ثيابنا العائلية...

شاعر من العراق