شاعر الامل والحرية

حسن صالح

(1)
الخبر الحزين
كان المساء دون مساء
والحرف بلا روحه
والخبر الثقيل/ الحزين/
الموت يسرع الخطى من شفةٍ لشفةٍ، ومن دمعة لدمعة
ومن ثقل روح الى ثقل روح..
محمود درويش يستريح للمرة الاخيرة من نهاراتنا المتعبة،
يذهب محمود درويش الى اسئلة الموت.. مسلحاً بكل جماليات اللغة،
وحرارة نبض الحياة..
ما اشق هذا المساء..
كل الاذاعات/ المسموعة والمرئية/ تنقل الخبر،
وروحك وعقلك لا يريدان التصديق..

(2)
ملك الشعر

في مملكة الشعر، له ادوات خاصة، تتجاوز ادوات الجوهرجي، وادوات المختبرات.

ففي مملكته ثمة مكان للفكرة وجدتها، ومكان للحرف وليونته، وثمة زمان للمدى وحياة وربما حيوية الكلمة ولكل ذلك كان لكل قصيدة جديد، ولكل ديوان مغزى وهدف ورؤيا، فالقصيدة لدى محمود درويش ليست وليدة الامها فقط، بل هي وليدة حالة، ووعي مسبق وحاجة للقول، وبعد ولادتها الاولى ـ الالهام ـ تخضع لقراءات متعددة، ولإعادات كثيرة حتى تكون القصيدة هي القصيدة. ويكون الديوان هو الديوان، ولكل ذاك العمل المرهق والصعب، تكون قصيدة محمود درويش هي القصيدة، ويكون ديوان محمود درويش هو الديوان.

(3)
المكان

محمود درويش فاق الرحالة القدماء، فهو كل يوم في مكان جديد، لا يقوى على المكوث في المكان أي مكان طويلاً، فهو في القاهرة وبيروت وموسكو وباريس وهو في امريكا والمانيا متأملاً مرات، ومدعواً للمحاضرات والقاء الشعر اكثر المرات. اما ما يشبه السكنَ فهو موزع بين عمان وباريس ورام الله وقليلاُ من القاهرة وبيروت ودمشق وتونس والمدن المغربية التي تكن له مودة واسعة.

والسؤال اين هو المكان بالنسبة لمحمود... ودون مواربة هو البروة "القرية" والجليل المكان.. وهو في كل الامكنة الاخيرة يحاول اصطياد شبه ما ومقاربة ما مع المكان الذي في الروح والقلب والعقل ـ انها البروة والجليل خصوصاً وفلسطين عموماً. وربما يُشتق هذا المعنى من قصيدته التي يقول فيها "احن الى قهوة امي.. وخبز امي" وهما قهوة وخبز المكان.

وفي مقارنة الامكنة كان لبيروت مكاناً خاصاً، لاقتراب بيروت من احلام النضال في الوصول الى المكان "فلسطين" ولذلك قال عنها بيروت يا بيروت، بيروت نجمتنا وبيروت خيمتنا... ولكن تظل فلسطين هي المكان الاول الذي لا تشبهه الامكنة، وان كانت تلتقي في جوانب منها.. ويظل لفلسطين المكان، ذاكرة الشعر وذاكرة القول والايحاء في كل حرف وشطر... وكل قصيدة وديوان لدرويش.

(4)
شاعر القضية

قضية الشاعر. كانت القضية تبحث عن شاعرها، وكان الشاعر يبحث عن صيغ لقضيته الوطنية التي واجهته موضوعياً منذ سنوات عمره الاولى، التقيا، اسكن قضية شعبه الوطنية شريان قلبه وتفاصيل روحه، ينتقل بها وتنتقل به من زنزانة الى زنزانة ومن نزوح الى نزوح... ومن منفى الى منفى. وعرفت القضية ان كلماته هي المدى الذي تتجاوز به المكان، وهو الصوت الاكثر رشاقة وجمالاً واقناعاً.. فصار محمود رمز فلسطين، وصارت فلسطين صوت شعر محمود وهدف قصيدته ولبها... ما اروع ان يكون الوطن هو الروح.. وما اروع ان يكون الشاعرْ.. شاعر الروح.. ومحمود صار الاثنين معاً، الوطن والروح.. الوطن والاغنية.. الوطن والنشيد

(5)
صورة الفدائي في شعر درويش

الفدائي كان الصوت والكلامْ والغناء، امتد في تعبيرات محمود درويش، مناضلاً، صابراً، متحدياً وامتداد للحضور القوي والبهي لفلسطين القضية والوطن، والفدائي في شعرِ فلسطين هو حالات... حالة نضال، وحالة شهادة قال فيها...

يروون في بلادي يروون في شجن
عن صاحبى الذي مضى
وعاد في كفنْ

إنها الشهادة التي يمتزج فيها الغياب بالشجن، والموت بالحضور، والبعُد " المنفى" بالقرب، القرية المدينة المكان والفدائي في شعر درويش... هو القتال من اجل القضية، والنضال من اجل القيم العليا، وهو الغربة والمنفى والسفر من ميناء الى ميناء، ومن وطن الى وطن.. لعله في وقت ما..يدخل مرافىء وطنه وبلده.. وغنائية محمود... كانت في كل الاوقات تنبعث من قامة الفدائي وبها او حولها ودائماً بجانبها او امامها.

في قصيدته الشهيرة.. بيروت وما كتبه خلال الحصار وبعد حصار بيروت صيف 1982 كان الحضور البهي للفدائي، مقاتلاً ومواجهاً وصانع قضية وصانع وطنْ... ولعل كل السؤال يتلخص هنا، هل كان في دخائل محمود درويش "الفدائي" بكل معانيه ومواقفه بشجاعته وانسانيته، الجواب نعم، ولذلك كان شعر محمود شعرً فدائياً مقاتلاً هجومياً على الدوام فاتحاً لافاق جديدة وباحثاً عن موانيء اوطان، وموانيء انسان يجد فيه الحياة والانبعاث والجديد... فمحمود درويش هو الفدائي الذي وصف الفدائي الفلسطيني باجمل الكلمات... ومعه وبه، سارا معاً من المنفى الى المنفى، ومن المنفى الى جزء من الوطن، فلكما محمود والفدائي.. كل هذا التناغم والتعبير الشديد عن الحياة والانسان.. فدائياً وشاعراً.

(6)
غنائية درويش

موضوع كفلسطين، فيه الشهادة والاسى، الحزن النبيل والحزن الاليم، فيه المنفى والهجرة والتهجير، فيه الحرب والحواجز والجدار، فيه الاقتلاع والغريب "المحتل" يحتل بيتك وسريرك وتاريخك ودفاتر يومياتك، فيه الوجع بانواعه والالم بانواعه، فيه واقع جندي او بوليس يسألك بخفة ويسميك منفرداً، ويريد ان ينزع منك اللحم قبل الاسرار، ما في الرأس قبل الرأس.

حالة مثل هذه، لا يمكن ان يعبر عنها بوتيرة واحدة، و بنمطية في الشكل والجوهر. من هذا المركب والغريب العجيب والمتعدد الالوان وبتعدد الوان الحياة والطبيعة كان لا بد من الغنائية بما تستطيع من الشجن والفرح الحزين والامال الباسمة، والابتعاد عن الواقع لاعادة اكتشافه وعيشة، او ربما لتخفيف اثقاله واوجاعه. ومن هنا كانت الثنائية الغنائية بين كلام درويش وانغام المبدع الموسيقي الاخر مارسيل خليفة. فكأن، الاغنية رادف للحياة وتسير بها نحو مرافيء اخرى.. وهل مثل محمود درويش استعداداً للسير نحو المرافيء الاخرى ونحو الجمالية الاخرى.. ونحو القصيدة الاخرى.

(7)
محمود درويش وكلام عن السواد

استوقفني ذلك الجنون الهذر للمواقع التي انهالت قدحاً ونفياً وشتماً بمحمود درويش، باعتباره الخارج عن الاصول.. وباعتبارهم حماة الدين والشرع. يا الله.. اين يعيش هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ بل السؤال هل لهم علاقة بالانسان، بالدين الرحمة، بالحياة المعاشة او تلك التي يتمنى ان يعيشها البسطاء والناس في بلادي. كتاب الانترنت هؤلاء بمواقعهم، انما يمضون بحياتهم دون معرفة بالرحمة وبالله فهم لا يقرأون قول الله على لسان رسوله العظيم "محمد"عليه الصلاه والسلام" بسم الله الرحمن الرحيم ـ لكم دينكم ولي دين " صدق الله العظيم ولكنهم يمضون نحو الليل، وهل من ليل سوى لغة القتل والسيف ونعيّب الانسان عن ان يكون انساناً من نبض ودم ولحم.. ويا محمود درويش والذي بموته خلق لغة ثانية، محبة ثانية، وجوداً ثانياً له.. ولكلماته ولاشعاره ودواوينه في قلوب ملايين اخرى على امتداد العالم. اما فلسطين فستظل تزرع زيتوناً وقمحاً يطرح السنابل وستُسيج الدار.. كل دار بشجر اللوز... فيا محمود درويش ستزهر الكلمات وطناً وستظل فلسطين تحبك وستعرف كيف تعود برفاتك... وقبرك الى البروة " قريتك الجميلة" ذات مساء.

(8)
الى احبته، سميح القاسم، مارسيل خليفة

الى سميح القاسم
"اخذك الغياب، وستقرأ في الغياب.. انه عالم بلا محمود. عن غياب محمود درويش، ثمة دفاتر صديق عمره سميح القاسم، يا سميح الشاعر.. سيظل الغناء والشعر والحياة كل يمتليء بالنبض والمجيء، وستظل فلسطين هي الغناء والشعر والحياة، لها كل عمرنا وقصائدنا.
الى مارسيل خليفة"
وكأنك تؤكد جوهر محمود معنوياً وضع زهرة على التابوت وعندما غنيت له وداعاً يوجع القلب.. يا مرسيل كم ادخلت لبنان في كل دروب فلسطين، مثلما ادخل درويش فلسطين في كل دروب لبنان..
وفي التذكر/ الذاكرة
لا ادري لماذا استعيد ياسر عرفات واستعيد فن وريشة ناجي العلي..
وكاني أود ان اقول.. كم لفلسطين من جمال وعطاء ونجوم تضيء..
ويا محمود درويش انت النجم.

وكالة معا الإخبارية بفلسطين في 17-8-2008
hassan@jericho-city.org