ثلاث سوناتات في محبة الألفة، هكذا تصوغ قصائد الشاعر البرازيلي الراحل صورة عالم يفتقد للإنسان فيه .. ووظيفة الشاعر أن يلتقط تلك العلاقات السرية الحميمة التي تجعل الحياة ممكنة وقابلة لأن تعاش من خلال إيقاع الألفة الساكن في ثناياها.

ثَلاَثُ سُونَاتَات

تَرْجَمَةُ: مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة

فِينِيسْيُوسْ دِي مُورَايِس

سُونَاتَا الأُلْفَةِ

فِي مِسَاءَاتِ المَزْرَعَةِ، هُنَاكَ الكَثِيرُ الكَثِيرُ مِنَ الهَوَاءِ الأَزْرَقِ.
أَخْرُجُ أَحْيَانًا، وَأَتْبَعُ مَسَارَ المَرْعَى،
وَأَمْضُغُ عُشْبَةً لَزِجَةً، وَصَدْرِي عَارٍ،
مُرْتَدِيًا مَنَامَةً رَثَّةً مُنْذُ فُصُولِ الصَّيْفِ الثَّلاَثَةِ المَاضِيَةِ،
إِلَى الغَدَائِرِ الصَّغِيرَةِ فِي قَاعِ النَّهْرِ
لأَشْرَبَ المَاءَ البَارِدَ وَالمُوسِيقِيَّ،
وَإِذَا لَطَخْتُ بِالفُرْشَاةِ بُقْعَةً مُتَوَهِّجَةً مِنَ الأَحْمَرِ،
فَهِيَ حَبَّةُ تُوتٍ، تَلْفُظُ دَمَهَا عَلَى الزَّرِيبَةِ.
رَائِحَةُ رَوَثِ البَقَرِ شِهِيَّةٌ.
القَطِيعُ يَنْظُرُ إِليَّ بِدُونِ غَيْرَةٍ

وَعِنْدَمَا يَأْتِي هُنَاكَ تَيَّارٌ مُفَاجِئٌ وَهَسِيسٌ

مُرَافِقٌ لِنَظْرَةٍ غَيْرِ خَبِيثَةٍ،

فَإِنَّنَا كُلُّنَا، حَيَوَانَاتٌ، نَتَشَارَكُ

دُونَ عَاطِفَةٍ مَعًا فِي تَبَوُّلٍ مُمْتِعٍ.


سُونَاتَا  الحُبِّ الكَامِلِ

أُحِبُّكِ كَثِيرًا جِدًّا يَا حَبِيبَتِي، لاَ تُغَنِّي
قَلْبَ الإِنْسَانِ—  مَعْ حَقِيقَةٍ مَرَّةً أُخْرَى
أُحِبُّكِ كَصَدِيقٍ وَكَعَاشِقٍ
فِي وَاقِعٍ مُخْتَلِفٍ دَائٍمًا
أُحِبُّكِ، أَخِيرًا، مَعْ سَكِينَةٍ، وَمَنْحٍ لِلْحُبِّ
وَأَنَا أُحِبُّكِ، وَفَوْقَ ذلِكَ، حَاضِرٌ فِي الشَّوْقِ
أُحِبُّكِ، أَخِيرًا، مَعْ حُرِّيَّةٍ عَظِيمَةٍ
إِلَى الخُلُودِ وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ
أُحِبُّكِ مِثْلَ حَيَوَانٍ، بِبَسَاطَةٍ
مَعْ حُبٍّ بِلاَ غُمُوضٍ وَبِلاَ فَضِيلَةٍ
مَعْ رَغْبَةٍ قَوِيَّةٍ وَمُسْتَمِرَّةٍ
وَلِكَيْ أُحِبُّكِ هكَذَا، فَإِنَّهُ كَثِيرًا وَغَالِبًا
هُوَ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فِي جِسْمِكِ، وَفَجْأَةً
أَمُوتُ مِنَ المَحَبَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَسْتَطِيعُ.

سُونَاتَا الإِخْلاَصِ
قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، سَأَكُونُ مُنْتَبِهَا لِحُبِّي
أَوَّلاً وَدَائِمًا، مَعْ عِنَايَةٍ وَبِكَثْرَةٍ جِدًّا
حَتَّى أَنَّهُ عِنْدَمَا أُوَاجِهُ سِحْرًا أَعْظَمَ
مِنْ قِبَلِ الحُبِّ تَكُونُ أَفْكَارِي مَسْحُورَةً  أَكْثَرَ.
أُرِيدُ أَنْ أَحِيَا فِكْرَتَهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مَهْدُورَةٍ
وَتَكْرِيمًا لَهَا سَوْفَ أَنْشُرُ أُغْنِيَتِي
وَأَضْحَكُ ضَحِكَتِي وَأَبْكِي دُمُوعِي
عِنْدَمَا تَكُونِينَ حَزِينَةً أَوْ عِنْدَمَا تَكُونِينَ مُرْتَاحَةَ البَالِ.
وَهكَذَا، عِنْدَمَا يَأْتِي وَقْتٌ لاَحِقٌ يَبْحَثُ عَنِّي
وَالَّذِي يَعْرِفُ المَوْتَ، وَقَلَقَ المَعِيشَةِ،
وَمَنْ يَعْرِفُ الوَحْدَةَ، وَنِهَايَةَ كُلِّ العُشَّاقِ
سَأَكُونُ قَادِرًا عَلَى القَوْلِ لِنَفْسِي الَّتِي مِنَ الحُبِّ (كَانَ لِي):
لَنْ يَكُونَ خَالِدًا، مُنْذُ هُوَ لَهَبٌ
لكِنْ يَكُونُ لاَ مُتَنَاهٍ بَيْنَمَا هُوَ يَسْتَمِرُّ.

تَرْجَمَةُ: مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة

* شَاعِرٌ وَكَاتِبٌ مَسْرَحِيٌّ وَكَاتِبُ أَغَانٍ وَدُبْلُومَاسِيٌّ، وُلِدَ فِي رِيُو دِي جَانِيرُو- البَرَازِيلِ فِي (19 تَشْرِين ثَانٍ/ أُكْتُوبَر 1913).كِتَابُهُ الشِّعْرِيُّ الأَوَّلُ "الطَّرِيقُ إِلَى البُعْدِ" نُشِرَ فِي (1933) عِنْدَمَا كَانَ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ. حَصَلَ عَلَى شَهَادَةٍ فِي القَانُونِ في (1933)، وَلَمْ يَكُنْ يَنْشَطُ كَمُحَامٍ. دَرَسَ لِمُدَّةِ سَنَةٍ فِي جَامِعَةِ أُوكْسْفُورْد فِي إِنْجِلْتْرَا، وَكَتَبَ بَعْضَ القَصَائِدِ بِالإِنْجِلِيزِيَّةِ. عَمِلَ مَسْؤُولاً حُكُومِيًّا وَدُبْلُومَاسِيًّا، حَيْثُ انْضَمَّ إِلَى السِّلْكِ الدُّبْلُومَاسِي البَرَازِيلِي فِي الفَتْرَةِ مَا بَيْنَ (1943-1969). كِتَابُهُ "أَشْكَالٌ وَتَفَاسِيرُ" (1935) يُعْطِي نَكْهَةَ الأَسَالِيبِ الأَوْرُوبِيَّةِ الَّتِي سَادَتْ شِعْرَهُ حِينَ كَانَ شَابًّا. لَهُ مُؤَلَّفَاتٌ أُخْرَى: "المرأة الآرية"، وَ"قَصَائِدُ جَدِيدَةٌ"، وَ"المَرْثِيَّاتُ الخَمْسُ"، وَ"كِتَابُ السُّونَاتَاتِ"، وَغَيْرُهَا. تُوُفِّيَ فِي (10  تَمُّوز/ يُولْيُو 1980) فِي رِيُو دِي جَانِيرُو- البَرَازِيل.