يبحر هذا المقال في خلفيات الصراع الدائر حاليا حول الشرق الأوسط، والمطامح الغربية وأطماعها. ومن خلال مؤامرة الفوضى والدولة تخلق هذه الأطماع الامبريالية واقعا جديدا على الأرض هو ما يحلل بعضا منه الكاتب ويحاول التنبيه الى مخاطره السياسية وأبعاده الاستراتيجية في المستقبل القريب، خصوصا على دول لم تعرف حراكا بعد

مخاطر استراتيجية وتهديدات وشيكة

مهنّد العزاوي

"حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه , لا با لسلاح الذي تخشاه أنت...." تشرشل

 

يدخل العالم مرحلة جديدة في صراع القوى على الشرق الاوسط, الذي يعد مركز الجذب العالمي لسوق المال والنفط والغاز والأمن والتقنيات الحديثة, ويبدوا من قراءة الواقع السياسي للشرق الاوسط وتفاقم الازمات وتناسل الظواهر المختلفة , وتبادل الادوار والمواقف الدولية والإقليمية ان المنطقة امام ازمات سيالة مركبة, وان الرقع العربية المستهدفة ستستمر في خوض ملحمة الهدم الجيوسياسي والتصدع الاستراتيجي, وتلوح بالأفق مخاطر استراتيجية مختلفة ومتعددة, عدد كبير منها يتعلق في ظاهرها بالسياسة والأمن والمواقف الدولية وفي باطنها يتعلق بالسلاح والاقتصاد والمال والنفوذ.

 بات من الواضح ان العالم يعيش ثقافة الغاب, ولم تعد هناك قيم سياسية وقانونية تضبط عمل العلاقات الدولية والمصالح المشتركة والأمن والسلم الدولي, في ظل صراع نظريتي ((الفوضى والدولة)) تقدمت الاولى بشكل كبير بعد ترويج انموذج المليشيا سلطة في الدول العربية, وتبني فلسفة تفكيك الدولة وهدمها وبدأت من لبنان مرورا بالسودان والصومال والعراق واليمن وليبيا, وتستمر هذه الفلسفة لتحقق مشاريع ومخططات اعدت لتفكيك المنطقة وفق فلسفة ((تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ )) وباستخدام وسائل التقسيم الناعم والصلب والذكي.

 

صراع الكبار

يدخل الشرق الاوسط انفاق استراتيجية مظلمة يصعب التكهن كيفية الخروج منها , في ظل تصارع الدول الكبرى على المغانم والثروات والسوق المتاح في العالم العربي ومحيطه الاقليمي , خصوصا بعد ازالة عناصر التوازن والأمن الاقليمي الذي لعبه العراق طيلة عقود من الزمن , ولعل الاتفاق  والتوافق الروسي والأميركي الاخير والمباركة الصينية حمل في دهاليزه الكثير من الامور المخفية وحدد الملامح المستقبلية للمنطقة , باستخدام ادوات التاثير الاقليمي كمخالب نفوذ , وتوظيف الملفات الساخنة كسوريا والعراق كوسائل ضغط لتحقيق وصول روسي صلب للمنطقة بعد مغادرة قسرية لعقد (الحرب على الارهاب)  , وقد تمكنت الصين هي الاخرى من الوصول الصلب بعد تغيير استراتيجيتها العسكرية وفرض منطقة الدفاع الجوي فوق جزر متنازع عليها في "بحر شرق الصين"ضمن فلسفة الوصول العسكري , وكذلك الوصول الناعم وتحقيق وفرة من النفط الايراني والعراقي المستورد ,حيث اضحت تستعرض عضلاتها حربيا هي الاخرى لملئ الفراغ الدولي , في ظل انعطافة للولايات المتحدة عن الشرق الاوسط وانتخاب الرئيس الاميركي سياسة الاقتراب الغير مباشر وأشغال المنطقة بالفوضى والنزاعات والقتل والتهجير وصولا الى الاتفاق المعلن مع ايران, وبذلك يصبح العالم العربي رقع حمراء وقودها الثروات البشرية والمالية وعائداتها للقراصنة الكبار .

 

شرطي المنطقة

تناقلت وسائل الاعلام اخبار التوافق والاتفاق الايراني الاميركي الروسي والاعتراف الرسمي بنووية ايران , التي استطاعت ان تملئ الفراغ العربي بحرفية عالية ودموية قل نظيرها , وتمكنت من ابتلاع ثلاث دول عربية بموافقة غربية , لتعلن عن نفسها شرطي رسمي للمنطقة  , وبنفس الوقت تهيئ نفسها لاستكمال الدور الاقليمي بمرحلة قادمة وهدف جديد , حيث يعبئ الاعلام الايراني له منذ عام , وتهيئ الظروف للمباشرة به , وبلا شك ان ايران استخدمت كافة وسائل المناورة وبإتقان وحنكة , كما هو معروف عن السياسة الايرانية , وتمكنت من ملئ الفراغ والتمدد وأضحت لاعب قوي ومؤثر يستحق تنصيب الشركاء الدوليين لها كشرطي للمنطقة , وهذا يعطينا انطباع واضح ان الايام القادمة ستحمل في جعبتها احداث دراماتيكية , ومتغيرات امنية وسياسية تكمل المشروع الذي يستهدف تمزيق وتفكيك العالم العربي بعد ان تخلوا العرب عن ابسط مقومات الردع والدفاع لصالح المنافس الاقليمي .

 

مخاطر محتملة

تؤكد ملامح الواقع السياسي العربي  وجود عدد من المخاطر الاستراتيجية وأبرزها

1.     مخاطر تفكك العراق ودخوله موجة الحرب المعلنة اشبه بالسيناريو السوري.

2.    تفكك سوريا بعد جنيف 2 واستمرار الحرب المستعرة فيها بعد النفوذ الحربي والسياسي الاقليمي المباشر , والإدارة الروسية المعلنة لملفها , والتوافد العلني للمليشيات المذهبية وإدخال التنظيمات المسلحة لجعلها ساحة حرب مذهبية ممكن ان يتسع اطارها .

3.    تطور الاحداث اللبنانية واتساعها لترتبط بمثلث الحرب المذهبية العراق سوريا لبنان .

4.     تمدد اسرائيل على حساب الاراضي الفلسطينية ومصادرتها

5.    دخول مصر نفق الاستنزاف  والتفكك بعد بروز حالة الصراع على السلطة بين المؤسسة العسكرية والسياسية والدينية ودخول الجيش محطة الاستنزاف العسكري

6.    اعلان اليمن مشروع الفدرالية بمثابة نقطة انطلاق لتفكيك اليمن خصوصا بعد سيطرة الحوثيين والقاعدة على مدن يمينية  مما ينذر بمتغيرات مذهبية داخل المشهد .

7.    وصول الاستهداف المباشر لأكبر دولة خليجية بعد تطبيع الملف السوري وفرض الامر الواقع وتوافق المزاج الدولي حوله وتحول القوة الاقليمية لهدف جديد .

8.    دخول ليبيا في ظاهرة المليشيا سلطة وتقطيعها لمحميات مليشياوية

9.    ضعف الانظمة العربية في معالجة تصدعات الامن القومي وفقدانها الاسبقية  جعلها تخوض حروب متعددة ابرزها ظواهر المليشيات وسعيها المحموم للسلطة عبر خلق الاضطراب المجتمعي – التخندق الطائفي – التأثير الاعلامي المغذي للعنف والكراهية ونشر الصور المروعة وقطع الرؤوس ذات الطابع الدعائي السلبي , فقدان قيمة المواطن ورعايته – شياع ظواهر القتل خارج القانون والاعتقالات وتسطيح القانون .

10.                       تعاظم ظاهرة الفوضى وتمددها على حساب نظرية الدولة

تؤكد القيم البحثية والدراسات انها السبيل الامثل لقراءة الواقع السياسي بمفرداته , ومعالجة  الـأزمات, وتحديد الظواهر, وحل المشاكل المزمنة والمستفحلة, وبالرغم من انتشار مراكز الدراسات العربية المختلفة  والمتعددة الاسماء التي تلهي نفسها بملفات جانبية وليست جوهرية , والبعض منها يمارس الهروب الى الامام وحالة انكار, ليسمع الراعي المالي ما يحب ان يسمعه وليست لاستعراض الاخطار المحيطة  والتهديدات الوشيكة  وإيجاد الحلول, ويلاحظ هيمنة مراكز الدراسات الاجنبية على وسائل الاعلام المختلفة, في ظل شياع الظاهرة الاعلامية ((عقدة الخواجة )) وهوس الاعلام العربي باستقدام محللين اجانب لمناقشة ازمة او مشكلة عربية وعرض وجهة نظر لتتسق بالبيئة الداخلية ومفردات الحل, بل تتسق بمنهجية الجهة الخارجية وإستراتيجيتها التي ترى بعين واحدة وتصف بمنظار مصالحها فحسب, وكذلك ظهور المحللين المؤدلجين لتضليل الراي العام, كما واضحى الاعلام العربي يمارس بشكل طوعي منظم زيادة شحنات العنف والكراهية والفوضى من خلال نشر الصور ومقاطع الفديو الهمجية, وبكل الاحوال لا تساهم هذه المنهجيات وحالات الانكار والهروب الى الامام في معالجة الاخطار الاستراتيجية والتهديدات المحتملة والوشيكة والتصدعات المجتمعية التي اصبحت مادة دسمة للإعلام وتجارته المربحة ومناخ ملائم لتجارة الامن القومي الوافدة.

‏الأربعاء‏، 11‏ كانون الأول‏، 2013