صلوات البصيرة

غالية خوجة

صلاة اللازورد
تجنح السماء نحوي..
لا فرق بيننا سوى
أنها فاتحة الأكوان،
وأنا خاتمها..
للمجرات أن تلهو بخافيتي..
وريثما..،
تضع الريح فصولها،
وتُرضع النارُ قلقي،
أكون قد انتهيت من مشاغبة الأبدية..
هل باح اللازورد بأني التعويذة الحادة للنشور؟
وإلا ّ ما.. جنح التكوين نحوي..
ما.. هامت اللا مرئيات بصلواتي..
ما.. تناوبت الرموز الغياب..
أتجانح..
أتنازح..
كذا.. شعري ساهٍ في محوي..
والمكتوب يتلو:
سلام هو حتى مطلع الفجر..
***

صلاة اللا وعي
الهدوء يضجّّّ،
فاسترق السمْع،
وحاذرْ من غموض يصغي..
للوضوح،
تباشير الضباب على السكون..
وللبحث عن المحجوب،
رائحة العشب المبلل بالمعنى..
كأنك ترى إليك قبل أن تكون!
كأن لجج الأعالي تلتف ّ ،
فيدور الإيقاع الأخفى،
ويدوخ الإيقاع الأبعد..
لن تشك الآن بأنك أنا..
إذن،
فادخل بوابات تتداخل بالبوابات..
النور يتدلّى من كل روح،
والوقت زجاج معشّق..
لا..،
تكسر أشعةَ الحُمّى..
وامضِ..
هل رأيت المتاهة؟
في النقطة التي بلا ظلّ،
مركبك ينتظر..
لا تمكث في الغور أكثر من قزحين،
وجدّف بالباقي..
ستخرج إلى نبضك الملقى على الجمر،
اختلسْه،
وتابع الرؤيا..
لن يفتح اللا مرئي إنشاده إلا ّ إذا احترقت الأزمنة..
وليترمّد المعلوم،
اكتب اللا معلوم..
لا تخشَ حين يلمع الرماد في المتاهة..
فليس أنت من يحترق..
بل.. العتمة..
تابع الرؤيا..
أمسك الإنشاد الصائمَ..
استرسلْ مع السجود..
أعِد الغناء إلى لا وعيه،
والغيبَ إلى رقصه،
والكلام إلى سحره..
فإن لم تستطع معي صبراً،
فلا.. تكترثْ للبصيرة وهي تشتعل في البصيرة..
فليس أنت من يحترق..
بل.. أنا..
***

صلاة السؤال
طيْران من بنفسج الهذيان،
يشرقان من غربتي..
لا الدلالة الأغمق،
لا الدلالة الأزهى،
تميز أيهما الشعر الغائب؟
أيهما الشعر الحاضر..؟
ولا الدلالة ُ السكْرى..؟
وحدها الزاهدة،
تشير إلى البرق،
فتمطرُ التحولات،
وتتوضأ بالقصيدة القبور..
هل الماءُ،
سيرشدني إلى ظلي؟
أمْ..،
ظلي سيرشد الماء؟
هل تتوهم النار وجودها؟
أم الوجود يتوهم النار؟
هل كثافتي جسد بلا ظاهر؟
أم ظاهري شفيفٌ حتى الطغيان؟
غضضت ُ الأسئلة عن الأسئلة،
ورحلتُ عن الباطن إلى الباطن..
ليس في آخر العلوّ سوى السبْحِِ في التسبيح..
وليس بين اللام والياء والسين، 
                            سواءٌ..
كلّ اللا شيء ريح..
وكل شيء يرفرف خارج كل شيء!
طيْران،
من بنفسج الهذيان،
يخطفاني من وشْكتي..
فتفيض الشطحة،
يغمى على الأكوان،
ويلتبس الشفيف على الكثيف..
الكثيف،
على الشفيف..
وخلف كل فراغ،
أجرب أن أراني..
فلماذا يراني الذي لا يراني،
وأنا التي أتلصص عليّ لا أراني؟
***

صلاة المراكب
لم أجد الوقت في الكلمة!
أين هو؟
أو،
لماذا رحل؟
مخيلتي تخون الوقت..
والواقع الخائن الأعظم لمخيلتي..
فمن أية لا خيانةٍ أبدأ؟
هل تذكر الحمّى كيف خادعتني والتجأت للساحر؟
يشهد الجليد القرمزي،
على البخور..
ولا ينسى البخور أن يشهد على تعاويذي..
لرائحة المراكب في ذاكرة الموج،
لون البنفسج التائه..
وللسحر في المراكب،
لون كلامي..
فمن أية رؤيا أبدأ،
وحدقات الما ورائي،
مفتوحة على أواخر مجاهيلي؟
سأحدق في قلبي بغيابٍ أكبر..
سأنتشل القصيدة من جهنمياته مثلما تنتشلني..
اللهب حول الأبجدية..
الأبجدية حول اللهب..
والموسيقى،
بكل كبريائنا،
تزحف على التراب لتلمّ نبضاتي،
أو..،
تضمّّ خفائي..
النقطة الأوسع من كل اتساع،
تسابقني..
من منا سيصل إلينا؟
ويظنون بالريح كما يظن الوقت..
والوقتُ،
ليس في الكلمة..
الوقت..،
ليس في الوقت..
اللهبُ في الأبجدية..
والأبجدية،
التي ليست هنا..،
ما زالت تبحث عني..!
لم نجدني..!
أين أنا؟
ولماذا رحلت؟
***

صلاة الصمت
ثمة ..،
كلامٌ.. يغافل جرحي..
جراحٌ..،
تغافل عزلتي..
وموجٌ..،
يهامس الذي لن يكون..
ثمة.. صمتٌ يغادر صوتي..
هل،
سيخبر الغابات،
بأني فاصلة الفصول؟
أم،
سينساني بين السماء والأرض؟
وتجاهلتُ الصمتَ والصوت..
ولم،
أتجول في الصدى..
ولأنني ضدّّ كلّ ضدّ،
يخاف القلم من نقطة نوني!
تمرّ الأسطورة،
وتنتشل شمعتي الحجريّة..
تهرب الخرافة لتختطف غيابي..
وخلف شمسٍ تلفحها شمسي،
كان مولدي في الكلمة..
وكنتُ الكلمة الخارجة عن كل كلمة..
ما زال الكشف قاب حدوسي..
وما زلتُ،
في الذي لن تراه القصيدة..!
***

صلاة الموسيقى
عاريةً،
حتى.. مني،
إلا ّ..، من الله،
أسري..
أي عروج سيكفي النور؟
للكلام،
همسات تشبه الضباب اللا موجود..
والليل المعلق على الشجرة،
أغنية ٌالتقطها عصفور..
لا النهار يعرف أنه النهار الأول أو الأخير..
ولا الشمس استهدتْ إلى طريق الخروج..
كل شيء مغلق على الوقت، عن الوقت...
والموسيقى،
تتحول من جماجم إلى مجهول..
للقلوب المغموسة بالرمال والسؤال أن تحلم بالبحر..
للبحر،
أن يحلم بالخرافة..
للخرافة،
أن تبسط ظلالي لتطير..
أية موجة أطهر من أختها؟
أية ريح أشد انحرافاً نحو الله؟!
رُفعت الأرواح،
وجفّت الأجساد..
وغيبي،
لماذا،
لم يصل إلى غيبي؟
يذكر الوجود أني،
أحرقتُني،
وبذرتُ رمادي،
فنبت رميمي سبعَ قصائد..
في كل قصيدة مائة ملاك..
في كل ملاك،
مائة (...)!
ولم تكمل اللغة الفراغات..
هل تعذبني أكثر من الصواعق؟
أمْ ترحمني أكثر من الهواء؟
وفتحتُ لا وعيي عرائشَ.،
ولم أسأله: لماذا لا وعيهُ ما زال يطاردني؟
وأسريتُ..
موقنةًً أن النور يفهم كيف الإبداع أسهل ما أستطيع،
وكيف الحياة أصعب ما أستطيع..
آنها،
قبضت القصيدة عليّّ كالقابض على جمرٍ..
لا هي تحترق..
ولا أنا أترمّد..
والمعنى،
بيننا يعرج كي لا نضيع..
توهة تائهة في تيهٍ لا ينتهي..
والدوامة المزدهرة بصمتي،
كلما تتناسل..،
تتلألأ الموسيقى أكثر..
هل أخبّئ روحي في الحمّى،
أم..،
في الرياحين؟
لن تحتار جراحي بجراحي،
فالمكتوب يضييييييييييييييييق،
واللا مكتوب لا.. يتّسع..!
لا..،
لن.. يتسع!
***

صلاة الرياح
أبدأ مني حين أغيب،
وحين أشرق..
وعندما ينضج الغيم في رياح المعنى،
أراك هناك شكلاً من بنفسج ٍ يتهجّّد..
تراني،
براعم صلاة تعيد الزرقة إلى مواقدها..
ونرى الأرواحَ ستائرَ احتمالات..
هل النفوس نوافذ على الإعتام؟
لم أنسَ في الظل المجاور سوايَ..
وهكذا مضيتُ بلا أنا إلى حيث اللا أنا..
الأحداث تتقمّص ثلجاً كان هنا..
الوقتُ من نار،
اللحظات من فضة..
وأوتار الكلمات تغيب بعيداً..
لا شيء يتلاشى في دواخله إلا ّليضيء أكثر..
أجرب الخلوة َ من الكتلة والفراغ..
الأثير،
موسيقى ملائكية..
والتكوين،
يبدأ من آخر سؤال يسبح في الهيولى..
برزخ ٌ لا يشي..
كلماتٌ تقرأ الكلمات..
وتحولات ملتبسة تهجّئ تحولاتي الملتبسة..
سأتجافى عن كل الذي يكون ولن يكون..
وأبدأ من غروبي،
أو شروقي..
أبدأ..،
من برزخ يجهله المجهول كما.. تجهله البرازخ..
***

صلاة الهواجس
الفضاءات،
ذاكرة الكلمة الأولى..
النباتات مخيلة الكلمة الآخرة..
والمطر،
قبور الغائبين..
كلما أنثر تويجات حلمي،
تنقر هواجسي الغيوم،
وتستحمّ الشمس بأسئلتي..
لم أنسَ كيف ألامس ظنون الأرض،
والسماء،
لم تنسَ كيف خبّأتني..
أصواتٌ غيبيّة..
وصمتي،
تحولات الوقت..
تمتد الريح ذكريات وآت..
والشتاء المطلّ من الصبّار،
يحتمي بسرب نمل ٍ يعبر سربَ تخامين..
هوّة مخمورة..
وشطحة ٌلا تغفو..
بين ريحين وقصيدة،
بين احتمالين وشرود،
أنساني نصاً هيوليّاً،
وأكواناً لا تريد أن تتشكّل..
هل نسيتُ كيف أفاصح ظنون الأرض،
أمْ أن السماء خبّاتني،
ثم اختبأتْ فيّّ..؟!
***

صلاة الحب
ويسألونكِ عن الحبّ،
قولي:
هو من تجليات القصيدة..
ثم،
انتبهتُ..، قبل المحال..
كانت الأرض على وشك المغادرة،
والشتاء قرب ثلوجه القادمة،
والنار،
تنتظر ظلّي..
نحن المستقرون أبداً،
بين اللا مستقَرّ واللا مستَقرّ،
أين نرحل؟!
كأن السؤال رآني من طرْفٍ الغيب،
أو..،
كأن الغيب استهدى إلى السؤال،
أو..،
من كل احتمالٍ،
رحلتُ..
وفي كلّ احتمالٍ أقمتُ،
أيضاً..، لنرحل!
لم يكن في المراكب بوصلة،
ولا..،
في الزمان..
وليس هناك شرود يعير الشرود شروده..
يُهيّأ للكلام أن الموج يحيط به،
أو..،
أن الظلّ سقط على الثلج..
لكنها السماء تراود السماء،
فيكتوي المرئي،
وكلما يتألم اللا مرئي،
ترى روحك تبحث عن الأشف،
أو عن قلقها الحادّ..
سيزيد النزيفُ وعيَكَ طهارةًً..
وبلا شك،
يزيدك لازوردية..
لك..،
أن تثق بجزُر ِ المعنى،
أن.. تتناوب السدائمَ الأوضحَ إعتاماً..
وأن تفتح اللوّ على المطر..
هل ما زلنا هنا؟!
تشك الطقوس بالمكوث..
أ لذلك..،
لا تريدك أن تمكث بين المقام والمقام،
إلاّّ،
لتوقن بأنه يجوز لي ما لا يجوز للشعراء؟!
إلاّ،
لأكتشف،
كلما بحثتُ عن جسدي،
بأني الشعر..!
ويسألونك ِ عن الحب..
قولي يا القصيدة بأنه أنا..
فكم للرنّة أن تشرد بين الأوتار،
للموسيقى،
أن تعرّش بين المجرات،
وكم..،
للتجليات أن تشرق،
كي تصل إلى تجلياتي!
***

صلاة الضوء
ورغم سرطان البصيرة،
تواصيتُ بجحيمي،
واهتديت..
ضجيج الظلمة يتلو:
اذهبي أنت ِ وشعرك ِ فقاتلا!
لم تكن فوانيس الإشارة تكفي لعبور النهر إلى سيرته الأولى..
ولم تكن موسيقى السماء تائهة بعدُ..
كلُّّ ما كان، لمْحتَها، حرفٌ ممتدٌّ.. فيه انطوت اللغات، البشرية، الغابات، الكائنات، والأكوان..
لا أدري إن غادرني ظلي كما يجب..
أو..، أن البرق خدع ضوءه،
فخلع المتضادات،
وارتدى متناقضاتي!
في الحرف الممتد، الممتد، سريتُ..
وآنَ كتب الله عليّّ الولوج،
تداخلتُ..
كأني نبضة وحيدة تجري فيما سيكون جسدي..
كأن جسدي يتملّص لتوّهِ من الريح والطين والماء والنار والنفخة.. وقاب شروقين،
سأقف أمام جسدي لنخرج من العناصر!
روحي تطأ الوقت المولود الآن،
فترنّ الأرض رنتها الأولى في الفضاء..
ولا..،
تخفت الموسيقى!
الطين اللازب سيتشكل..
لكنْ،
ليس قبل أن تتشكل اللا مرئيات،
وتهاجر من حرفها الممتد..
واتسعت اللحظة حتى ضيقها الأقصى..
وتكاثفت الأبعاد حتى التلاشي..
بعدُ..،
لم ينشط الممكن..
ولم..،
ترقص الراهبات..
ولم يسكن الهدوء..
صامتة....،
صامتة إلا من كل حركة لا تتوقعها الحركة،
أعتصم بمحمّد..
كم صلّى عليه مَن لا ترون!
لن أمسك بالدهر،
بل سأصنع منه عقوداً يلبسها كل من يدخل المعبد..
يوقن العارفون بأن الأبدية تذوب كلما نظرنا إليها..
وسواء تكونت، تغيرت، أم لم تتكون،
فلا شأن للريح بهذه التحولات..
سيفنى ما نشير إليه،
تفنى الإشارة،
ولا يبقى سواه..
سأتظلل من مطري بمخيلتي،
وأتواصى بالمجرد واللا مجرد..
هل ثمة من يمكث في الحرف الممتد؟
سكرى بما أرى..
والوشاية لا تكفي..
أسراب الملائكة،
تقترب، وتبتعد..
سواكن الحرف،
تقترب، وتبتعد..
وأنا مِن أنا،
أقترب وأبتعد..
كل شيء دائخ..
الأرض تميل وتسقط..
السماء تميل وتصعد..
وروحي خاشعة تهمس:
إذ قلتُ لشعري،
لا تخفْ.. إن الله معنا..
وكان البدءُ،
وكان سرطان البصيرة..
ورغم الجحيم،
تواصيتُ،
واهتدينا..
يا.. شعري،
لا...، تخفْ..
أليس الله معنا؟
***

شاعرة وناقدة من سوريا
ghaliauae@yahoo.com